ســـوق جـارا تستعيد « مقتنيات المـاضــي » كــل جمــعة

في الحي القديم من منطقة جبل عمّان في العاصمة الأردنية، تطل سوق جارا التي تستعيد «مقتنيات الماضي» كل يوم جمعة في موسم يبدأ من شهر مايو وينتهي في أكتوبر، وتجتذب عددا كبيرا من السياح والأهالي. وتوفر السوق التي أسستها رابطة سكان جبل عمان مكانا مثاليا للتراث والموسيقى والفن التشكيلي والمقتنيات القديمة والمنتجات اليدوية.

ويعرض المشاركون في السوق منتجاتهم ومقتنياتهم، من تحف إلى قطع أثاث وفخاريات ولوحات فنية وأشغال يدوية وإكسسوارات وملابس، كما يعرضون صورا وقطعا نادرة ذات قيمة تاريخية. وقد حققت السوق منذ تأسيسها عام 2005 نجاحات متوالية لتميز منتجاتها ولكونها تفتح أبوابها يوم الجمعة لتستقبل أهالي عمّان وزوارها. وتوفر للزوار المكان الأمثل للاستمتاع بعبق جبل عمّان القديم أثناء التجوال في أقدم شوارع الحي والاطلاع على منتجات مميزة، في أجواء تتسم بالمرح واللقاءات الاجتماعية مع نفحة موسيقى وغناء تقدمها فرق متنوعة في جنسياتها وأساليب غنائها.

من اللافت في سوق جارا أنها تضم في أكشاكشها الصغيرة المتراصة أجيالاً مختلفة تروي قصصها بأساليب متنوعة، فتلك الحاجة التي رسم الزمن تجاعيده في ملامح وجهها، لا يمكن أن تتجاهلها وهي تقول لصبية «كنت أجمل منك بكثير»، وأمامها الشاب الذي يطيل شعره إلى كتفيه يضحك، ويقصدها مقبلاً رأسها، ويرد عليها «مازلت جميلة»، فتضحك، وتوبخه على إطالة شعره.

وترى أيضاً ذلك الشاب الذي يرتدي آخر ما توصلت إليه خطوط الموضة، يؤكد أن عصير البطيخ الذي يصنعه «لا يضاهيه غيره».

لم تغفل السوق عن مسؤوليته الاجتماعية، فكان التركيز من القائمين عليها في أن تحقق عوائد يذهب ريعها للمؤسسات والجمعيات الخيرية المختلفة في الاردن، فقامت السوق بتخصيص أجنحة فيها للمشاركين من المؤسسات الخيرية ولبعض أصحاب المهن البسيطة وربات البيوت العاملات في منازلهن ليستفيدوا جميعاً من السوق بتحقيق عوائد مالية لهم.

ومن الجهات التي تسهم سوق جارا في دعمها على هذا الصعيد، نساء مخيم غزة، ومؤسسة تمويلكم، ومركز الأميرة بسمة للشباب، وإرادة، وجمعية عراق الأمير.

لا يمكن التمييز بين الغني والفقير في السوق، فالجميع سواسية في أروقتها، وكلهم لا يهمهم إلا أن يكون الضيف سعيداً ومرتاحاً، والجميع يبتسم، على عكس ما يقال عن الشعب الأردني بأنه صاحب «كشرة». وتقول الصبية التي تبيع الأثواب المطرزة «لا يوجد شخص لا يحب الضحك. نحن نحتاج لفرصة كي نظهر ضحكتنا للملأ».

تسلّط سوق جارا الضوء أيضا على حكايات الفنانين من خلال مسرح بعنوان «حكايات سوق جارا» التي تستضيف عدداً من الفنانين. وتهدف العروض الفنية إلى تعزيز جسر من التواصل بين الفنانين وكتّاب الأغاني داخل الأردن وخارجه. ويتم التركيز على القصص والخبرات التي مرت بالفنانين وكانت وراء إبداعاتهم الموسيقية، كما يقوم موسيقيون بمشاركة الجمهور تفاصيل من قصصهم.

ويحظى الفنانون المشاركون في السوق بفرصة تقديم عروضهم أمام الجمهور المتحفز، حيث يقوم هؤلاء الفنانون بعرض قصص نجاحهم وتفاصيل عملهم من تأليف موسيقي وكتابات وذكريات. ويتم كل شهر الإعلان عن أسماء الفنانين المشاركين على مدى أربعة أسابيع، عبر الإذاعة والمطبوعات ومواقع الإعلام الاجتماعي ليتمكن المواطنون والزوار من معرفة المواعيد مسبقاً لحضور الفعاليات.

تتميز السوق كذلك بتنوع مرافقها لتتلاءم مع مختلف الأعمار، إذ تم توفير زاوية للأطفال «أطفال جارا» للعب والمرح، ومسرح الأطفال، وزوايا للرسم على الوجوه لإضفاء البهجة على زوار السوق من الصغار. كما تقدم السوق حفلات موسيقية وعروضاً في الخداع البصري، وفعاليات مسرحية في أجواء عائلية.

جبل عمّان

تأسست سوق جارا عام 2005 من قبل سكان جبل عمان، بهدف الحفاظ على تراث وطابع الحي القديم، والتعريف به على صعيد علاقته الوطيدة بالمنشأ التاريخي والثقافي والاجتماعي، إلى جانب دعم أبناء المنطقة من خلال تنظيم مشروعات طموحة تهدف إلى خدمة جبل عمّان، مثل مركز جبل عمّان الجغرافي ومشروع كتاب تاريخ جبل عمّان، بالإضافة إلى التعاون مع جهات تنموية مثل برنامج «تمويلكم» في توفير الفرص الاقتصادية لسكان الجبل، خصوصاً الأقل حظاً منهم، إلى جانب ما يقدمه السوق من خدمة اقتصادية واجتماعية وحضارية وترفيهية.

الأكثر مشاركة