«تابيرناس» الصحراء التي استقطبت عشرات المخرجين

الغرب المتوحّش في الأندلس

صورة

أين جوادي ومسدسي؟ سؤال ربما يطرحه كثير من السياح الذين يقصدون صحراء تابيرناس الواقعة في مقاطعة الميريا جنوب إسبانيا؛ إذ إن منظر هذه الصحراء الشبيهة بسهول الرعي يستحضر في الذهن صورة الصحراء التي تظهر في أفلام رعاة البقر القديمة، حيث التلال البرية التي تخترقها أودية عميقة والأحراش العشبية الجافة المتطايرة فوق المراعي بفعل الرياح. وكم يود السائح أن يختبئ وراء أقرب صخرة ليقطع الطريق على عربة بريد أو يقفز على جواد وينطلق به مسرعاً في ربوع المراعي، ليعايش بذلك أجواء أفلام رعاة البقر.

ولا يأتي استحضار صورة أفلام الغرب المتوحش القديمة في الذهن من فراغ؛ فهنا تصارع شارلز برونسون وهنري فوندا، أبطال فيلم الغرب الأميركي الخالد «حدث ذات مرة في الغرب»، رائعة الكاتب والمخرج العالمي سيرجيو ليون، ولم يكن هؤلاء النجوم الوحيدين الذين صوروا فيلماً سينمائياً هنا؛ حيث شكلت صحراء تابيرناس، الصحراء الوحيدة في أوروبا، كواليس لأكثر من 270 فيلماً من أفلام الغرب الأميركي المتوحش، بفضل شمسها التي تسطع عليها لمدة 3000 ساعة في السنة وطبيعتها البِكر.

كومبارس

وقبل أن يحكي جيسوس لوبيز الذي شارك في عشرات من هذه الأفلام لنا عن مهنته ممثل كومبارس، يتوجب عليه أن يفرغ من المشهد الذي يلعب فيه دور الشريف «المأمور» ويُوسع زملاءه ألبرتو وريكادرو وأليخاندرو، الذين يلعبون دور الخارجين عن القانون، ضرباً. ويصفق السياح الذين يشاهدون هذا المشهد بحرارة ويشعرون كأنهم يحضرون تصوير أحد أفلام «الويسترن». ويحتفظ جيسوس بلياقته البدنية، على الرغم من أنه يبلغ من العمر 52 عاماً. ويعترف ممثل الكومبارس الإسباني الذي اتخذت بشرته لوناً برونزياً بفعل حرارة الشمس قائلاً «مع مرور السنين تزداد هذه المهنة صعوبة؛ إذ إنني أصبحت أصاب بشكل أسرع». ويقدم جيسوس وزملاؤه عرض رعاة البقر هذا في مدينة الغرب الأميركي المتوحش«فورت برافو» يومياً.

ويُنسب للمخرج سيرجيو ليون الفضل في إنشاء العديد من المدن السينمائية بجوار «فورت برافو» في السبعينات من القرن الماضي، التي تعتبر اليوم مزاراً سياحياً. ومازالت المطاعم ومحطة عربات البريد والبنوك والمتاجر وحظائر الخيول تبدو مثلما كانت تبدو عليه حين صور شارلز برونسون وكلينت إيستوود أفلامهما هنا.

ووقع اختيار المخرج العالمي سيرجيو ليون على مدينة الغرب الأميركي «ميني هوليوود» الواقعة في متنزه «أويسيز» لتصوير خمسة من أفلامه مثل فيلم «حدث ذات مرة في الغرب». واليوم يمكن زيارة المزرعة التي ظهرت في الفيلم، وهي تقع في المدينة السينمائية الثالثة التي تُعرف باسم «مزرعة ليون»، ويقول جيسوس«فيما مضى، كان هناك نحو 14 قرية من قرى الغرب الأميركي».

ويسأل جيسوس وهو يشير إلى نفسه، «هل تتذكر الفتى الذي يحمل أباه المعلق في المشنقة على كتفيه في فيلم (حدث ذات مرة في الغرب)، الذي دس هنري فوندا الهارمونيكا في فمه»، ومازالت المشنقة منصوبة في حافة مدينة «فورت برافو». كما شارك جيسوس في رائعة المخرج ستيفين سبيلبيرغ «انديانا جونز والحملة الصليبية الأخيرة»، الذي لعب فيه شين كونري وهاريسون فورد أدوار البطولة.

نزهات

خلال نزهات التجول والجولات بالسيارة الجيب تتضح جلياً أسباب رغبة كثير من المخرجين العالميين في تصوير أفلام الويسترن والحركة على وجه الخصوص هنا في صحراء تابيرناس القريبة من ساحل الميريا المطل على البحر المتوسط جنوب إسبانيا. وتفسر كريستينا سيرينا من شركة «مالكومينوس»، ذلك بقولها «تُعد صحراء تابيرناس بديلاً سينمائياً مثالياً ورخيصاً لصحارى أميركا الشمالية»، إلى جانب إنتاج الأفلام تخصصت هذه الشركة في تقديم الجولات السياحية في صحراء تابيرناس التي تدور حول موضوع ما. وتشبه طبيعة الأراضي الوعرة الواقعة في مقاطعة الميريا، الطبيعة في شمال إفريقيا والشرق، لذا صور المخرج جوزيف مانكيفيتس هنا مشاهد من رائعته «كليوباترا» بطولة النجمة العالمية إليزابيث تايلور، كما غاص النجم بيتر أوتول في رمال هذه الصحراء في فيلمه الشهير «لورانس العرب».

وخلال الجولات بالسيارة الجيب يمر السياح عبر مجاري الأنهار التي أصابها الجفاف وسهول الرعي، أما في الجولات على الأقدام فيسيرون عبر وديان عميقة. ومن خلال صور مشاهد الأفلام الشهيرة تثبت كريستينا للسياح باستمرار أنهم يوجدون بالفعل في مواقع التصوير الحقيقية لروائع السينما العالمية. وتعرف كريستينا المثير من القصص والحكايات عن أعمال تصوير هذه الأفلام، كما أنها ساعدت في كثير من الأفلام الجديدة.

غرابة

على الرغم من أن الصحراء الأوروبية الوحيدة التي تبلغ مساحتها 280 كيلومتراً مربعاً تعتبر ضئيلة، مقارنة بالصحراء الكبرى، وتفتقر إلى الكثبان الرملية الكبيرة، إلا أن هذه الصحراء التي تتألف من الحجارة والطَفل تعتبر عالماً غريباً ذا طبيعة ساحرة. وأوضحت كريستينا الطبيعة الجيولوجية لهذه الصحراء، فتقول إن التلال المقفرة والأراضي التي تشقها الوديان والأخاديد تُشكل صورة أكثر المناطق جفافاً في أوروبا، وفي المعتاد تصل درجة الحرارة في الصيف إلى 50 درجة مئوية.

وخلال نزهات التجول يكتشف السياح باستمرار حفريات القواقع والأصداف. ويفسر الجيولوجي الإسباني لويس ديلغادو كاستيلا، الذي يجري أبحاثاً على صحراء تابيرناس طوال 20 عاماً، سبب ذلك بأن الصحراء الحالية وجدت على عمق نحو 400 متر في قاع البحر قبل نحو 12 مليون سنة، ولحسن حظ صناع الأفلام ظلت هذه المنطقة فترات طويلة بمنأى عن عبث البشر، بسبب ظروف الحياة القاسية فيها. واليوم يستطيع السياح أن يقتفوا أثر أنديانا جونز ويتمتعوا بجمال هذه الطبيعة البرية الساحرة، قبل أن يعودوا أدراجهم إلى شواطئ الحديقة الوطنية الطبيعية «كابو دي غاتا» بمقاطعة الميريا.

تويتر