محمود درويش (1941 - 2008). الإمارات اليوم

«في حضرة الغياب» والمتاجــــــرة بـ «الظل العالي»

لم تكد تنتهي الحلقة الأولى من مسلسل «في حضرة الغياب»، الذي يتناول سيرة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، حتى شنت أقلام كتاب ومثقفين وصحافيين فلسطينيين وعرب هجوماً عنيفاً على العمل، الذي يقوم ببطولته فراس إبراهيم وسلاف فواخرجي، ويخرجه نجدت أنزور،، معتبرة أن «في حضرة الغياب» يمثل إهانة كبيرة بحق الراحل، صاحب «مديح الظل العالي».

«الإمارات اليوم» رصدت ردود الأفعال حول المسلسل على موقع التواصل الاجتماعي الـ«فيس بوك»، وعدد من المواقع، إذ اتفقت معظم الآراء على أن الحملة ضد المسلسل بدأت منذ فترة طويلة، وإن كانت تركزت ضد تجسيد فراس إبراهيم لشخصية درويش، الذي تصادف ذكرى رحيله الثالثة بعد غدٍ، فالمستوى الفني الضعيف ـ حسب تعبير كثيرين ـ ظهر منذ شهور حين تسربت بعض التسجيلات، التي أظهرت مغالطات في المحتوى وهشاشة وركاكة في أداء فراس، الذي لم يستطع تحسس روح درويش، فشخصية درويش ليست سهلة التجسيد، لأنها بحاحة إلى فنان له قلب قادر على تحسس روح درويش بين كلماته، أما مايعرض فهو مهزلة، على حد تعبير أحدهم.

ورأى آخرون أن تجار الدراما «حولوا درويش إلى صفقة مالية، تجار وقفوا ضد شعبهم السوري يتاجرون بدرويش الآن»، متسائلين ومخاطبين درويش: «ماذا ستقول لمن وافق على المسلسل من أسرتك؟ ماذا ستقول لمرسيل خليفة؟ اعذرهم أو لا تعذرهم عما فعلوا.. نحن أهل قصيدتك من بعدك نعتذر منك فقط».

فراس إبراهيم: الحملة مفتعلة


فراس إبراهيم: الحملة أسبابها سياسية وشخصية. أرشيفية

اعتبر الممثل السوري فراس إبراهيم، منتج وبطل مسلسل «في حضرة الغياب»، الحملة التي بدأتها مؤسسة محمود درويش في مدينة رام الله الفلسطينية ضد المسلسل الذي يعـرض حالياً ويحكي سيرة الشاعر الفلسطيني الراحل، «حملة استباقية مفتعلة، أسبابها سياسية وشخصية، ولا علاقة لها بالعمل».

وقال إبراهيم إن «الدليل على ما قاله هو ذلك البيان الصارخ الذي صدر عن المؤسسة بعد الحلقة الأولى مباشرة، ما يدل على أن البيان تمت صياغته قبل بدء عرض العمل، وهو ما يفقده صدقيته ومنطقيته، لأن فريق عمل مؤلف من 600 شخص بين فنان وفني وتقني لا يمكن قصر جهدهم على مدى ثلاث سنوات لإنتاج قصيدة حب لمحمود درويش لا يمكن اختصار مجهودهم في حلقة أولى، على حد قوله».

وأضاف: «حتى لا نقع في فخ مصادرة أراء الآخرين، نتمنى أن يتابع من يعترضون العمل حتى نهايته، وعندها نتقبل الانتقاد قبل المديح، كما نرجو من كل محبي درويش أن يتسابقوا لتقديم اقتراحات أخرى لتخليد هذا الشاعر الكبير، ونرجو أيضاً من مؤسسة درويش أن تعمل على إنجاز ما أنشأت من أجله بدلاً من الهجوم اللامنطقي الذي قامت به».

وأوضح إبراهيم «أعتقد أنه من المخجل أن يكون الإنجاز الأول لهذه المؤسسة بعد سنوات مضت هو هذا البيان المفرغ من أي قيمة أو منطق، أما عن تبرئتها من المسلسل فهذا حقها لو كانت اتهمت أساساً بالتعاون معنا، أما وأننا لم نتهمها بالوقوف معنا فنحن نبرئها براءة تامة، ونتحمل مسؤوليتنا الكاملة أخلاقياً وفنياً عن المسلسل».

وكانت مؤسسة محمود درويش قد قالت في بيان لها قبل يومين إنها «تتبرأ من المسلسل الذي يعد إساءة للشاعر الراحل وصورته وحضوره في الوعي الثقافي العربي والإنساني، وإنها أبلغت صانعيه برأيها، داعية إلى وقف عرضه، إذ لم يلتزم صانعوه بحقوق الملكيـة الفكرية.

القاهرة ــ د.ب.أ

انهيار عصبـي

الكاتبة الفلسطينية أسماء الغول، التي ما انتهت الحلقة الأولى من المسلسل إلا ولجأت إلى قلمها لتكتب وتحكي عن مشاعرها عقب رؤية الحلقة «غثيان.. بداية انهيار عصبي.. غضب شديد.. هذا ما أصابني حين رأيت أولى حلقات مسلسل (في حضرة الغياب) لنجدة أنزور عن محمود درويش، والذي يمثل شخصيته في المسلسل الممثل أفراس إبراهيم».

وأضافت: «لم أصدق عيني من حجم التفاهة والمغالطات التي عرضها المسلسل في أول حلقاته فما بالكم في الحلقات التالية؟ بصراحة أنا أمسك نفسي غصباً عنها كي لا أطلق أقذع الشتائم على أنزور وفراس والمال الذي يدعم المسلسل، لذلك سأكتفي بسؤال بسيط لكل إنسان جاء ذكره في المسلسل: (كيف تسكتون على هذه المغالطات والتشويه المتعمد لشخص محمود العظيم؟) محمودنا نحن.. وليس ملك لوزارات سورية التي يشكرها المسلسل وزارة وزارة، ابتداءً من الداخلية التي تقتل الآن الأبرياء، وليس انتهاءً بوزارة الثقافة!».

وتساءلت الكاتبة: «كيف سكت رئيس تحرير جريدة (الأيام) برام الله، أكرم هنية، الذي كان رئيس تحريري لمدة خمسة أعوام قضيتها أعمل هناك، كيف سكت عن المغالطات بحق صديقه وبحقه هو نفسه فهناك من يمثله في دور رئيس بالمسلسل مُظهراً إياه يبالغ بابتذال في وصف شعر درويش، وانتقاد الموظفين عنده من الصحافيين في الأيام واتهامهم بأنهم لا يفقهون الكتابة».

لا يحتاج إلى تفكير

لم يكن الشاعر الأردني أحمد يهوى، شديد التفاؤل، حين سمع قبل عامين أن المنتج فراس إبراهيم، قرر إنتاج مسلسل عن أهم شخصية شعرية على مستوى الوطن العربي، موضحاً «ليس لأن ثقتي مهزوزة بقدرة المنتج المذكور على إنجاز عمل بهذه الحساسية والضخامة وحسب، بل لأن تاريخ فراس إبراهيم الفني، وحجم موهبته التمثيلية التي احترمها، لا يتسقان مع أدائه دور شخصية بحجم محمود درويش ورمزيته»، فالأمر بالنسبة له «لا يحتاج قدراً كبيراً من التمحيص لنفهم أن هذا الاختيار لم يكن بريئاً من النوايا الإنتاجيـة النهمة، لاسيما أن رحـيل محمود درويش لم يكتمل أسـوة بأعمال السيرة، وأن مسلسل (في حضرة الغياب) هو أقرب عمل سيرة تلفزيوني زمنياً لموعد رحيل صاحب السيرة».

وأضاف: «كانت الحلقة الأولى مملة على نحو كبير، فهي مكوّنة من عدد مشاهد قليل جداً، بما يعني أن المشاهد كانت طويلة وممطوطة، ولعل مشاهد الحلقة الأولى لم تتجاوز الـ،10 مع أن المعدل المنطقي المتعارف عليه تلفزيونياً لا ينبغي أن يقل عن 25 مشهداً، ولا يزيد على 40 للساعة التلفزيونية، لأن الإقلال في عدد المشاهد يعني إطالة وتنفيخ وحشو وإملال للمتلقي، والإكثار منها يتسبب بإرباك المشاهد، وصعوبة في ربط الأحداث والخطوط الدرامية»، مشيراً إلى أنه «على الرغم من أن الكاتب السوري حسن يوسف، هو واحد من أهم كتاب السيناريو في المنطقة، فهو كاتب نهاية رجل شجاع وإخوة التراب، فإن أمراً ما حصل لحلقته الأولى أدت لبداية المسلسل من حيث نهاية الحدث، وهذا الأمر الذي لم يكن موفقاً، إذ ظهر ملفقاً وخارج السياق ويبدو بأنه ضرب من الفذلكة، لاسيما أن عشرات الأحداث الجذابة في حياة محمود درويش كانت تصلح بداية للانطلاق منها، غير الحديث عن الموت وتبعاته على شخص محمود درويش». كما تبدو الحلقة التي أخرجها المخرج الخبير نجدت أنزور، خالية من أي رؤية إخراجية، لتبدو معظم اللقطات كأنها كاميرا تسجيلية تعرض رجلاً يتحدث، هذا بالإضافة للتشتيت الذي حدث في افتتاحية المشهد الأول من التركيز على الكومبارس الإناث ومفاتنهن، وكأنه يقوم بإخراج فيديو كليب، حسب يهوى، الذي أضاف أن «العمل يخلو من إيقاع الدراما، وينحى المنحى الوثائقي في كثير من مواقعه، هذا إضافة إلى النفس النخبوي في الحوار، والشكل المغالي في الشاعرية التي تبدو ساذجة على نحو ما وتلقينية، ما يجعل محمود درويش الشخصية تعيش في جو النص دائماً، لا كإنسان له حكاية أكثر رشاقة من الحكاية التي استهلتها الحلقة المذكورة، أما عن الممثلين وبالذات فراس إبراهيم، فقد تورط البطل في مأزق أن جمهور محمود درويش يعرفونه على نحو لصيق، ولم تنمحِ معالم شاعرهم وسلوكه وردات أفعاله من أذهانهم بعد، ما جعل كل سلوك وكل ردة فعل وكل لازمة وحتى كل ابتسامة يقوم بها فراس إبراهيم تفسد شكل الحكاية، بحيث يبدو فراس وكأنه متورط في تمثيل دور لا يحبه.. وباختصار إن شكل وأداء فراس يقول لنا (أنا لست درويش أنا فراس إبراهيم المنهك في لعب دور درويش)».

وحول الحديث عن إعطاء فرصة إضافية للعمل لكي يثبت حسن أدائه لاحقاً قال: «أنا سأقوم بإعطاء تلك الفرصة.. لا كرجل معني بشخص درويش، وحياته وحسب، بل كمشاهد عادي.. ولكن تلك البداية القاتلة، كانت لتعطيني فكرة متشائمة جداً عما سأشاهده لاحقاً، خصوصاً أن المناطق الحساسة جداً في حياة محمود درويش الإشكالية والشائكة ستترك فريق العمل المتسرع أمام انتقادات لن تنتهي، لاسيما أنها ابتدأت منذ اللقطة الأولى».

الفرصة الثانية

دعت الكاتبة الأردنية والصحافية رشا سلامة، الى الهدوء قليلاً وإعطاء العمل فرصة ثانية، قائلة لمنتقدي العمل: «يا جماعة امسكوا أعصابكم قليلاً، درويش في قلوبنا، لكن حتى المناضلين وكل الشخصيات التاريخية تم تمثيل دورها في التلفزيون والسينما».

أما بالنسبة للشاعر الفلسطيني معن سمارة، فكان موقفه مخالفاً تماماً، قال: «ما رأيكم أن نعوض فكرة القمع الفني والأدبي التي يحاول البعض فرضها عبر الدعوة إلى احتجاج أمام مبنى التلفزيون لمنع بث مسلسل (في حضرة الغياب) في تلفزيون فلسطين؟ ما رأيكم في استبدال ذلك بالذهاب إلى قبر درويش عبر برنامج شعـري فني نقدي نحيـه طـوال أيام هـذا الشهر عند القبر؟».

وأضاف بلغة شعرية: «زرت قبر محمود درويش هذا الصباح في رام الله، ولم أجد أحداً من أحبائه هناك يشرب معه قهوة الصباح، ولم أجد المكان يمتلأ بالورد والياسمين كما توقعت، لم يكن قرب المكان سوى موظفي قصر رام الله الثقافي، وعمال بناء يعملون حول الضريح سألت محمود درويش عن رأيه في مسلسل (في حضرة الغياب) وفراس إبراهيم فأجاب بجملة واحدة فقط: هزمتك يا موت الفنون جميعها.. قال ذلك وعاد ليغفو طويلاً».

وكان للكاتب الفلسطيني إياد بركات، رداً على الشاعر سمارة: «لا أعتقد أن الموضوع رفض للنقد، أو رفض لفكرة رفض التشخيص، ولا حتى فكرة أن يكون هناك مسلسل، فيلم، كتاب، أو أي عمل، عن محمود درويش.

الناس مستاؤون بسبب ضعف المسلسل لا غير، فمثلاً لو كان كتاب يشوه محمود درويش أو غيره لكانت الناس اعترضت. من حق الناس أن تعترض بشدة على المسلسل إن كانوا يرون فيه إساءة، فالمسلسلات تؤثر في مجتمعاتنا الحاليـة أكثر بكثير من الكتب وأكثر من الواقع، ألا داعي للاستهزاء بالمعترضين على المسلسل، ولا داعي بالمبالغة الفارغة بحرية الرأي التي نحن كلنا معها، الموضوع ليس حرية رأي لا أحد ينكر على أحد صناعة أي مسلسل كان».

وأكد أن «درويش للشعب الفلسطيني هو أكثر من شاعر أو أديب نطرب لقصائده ونردد أشعاره.. محبتنا وعشقنا لدرويش وارتباطنا به غريزي قد لا نفهمه، لأنه الكود الذاتي الذي يحركنا من دون وعي مثلما تحرك جينات إنسان ليدافـع عـن عائلتـه حتى الموت».

بيانات إدانة

أصدر الكاتب الفلسطيني زياد خداش، بياناً يدين فيه المسلسل، وقال: «نحن الموقعون أدناه من مثقفين ومواطنين وقراء وناشطين في المجالين الأدبي والثقافي في فلسطين والعالم العربي والعاــلم، ندعو تلفزيون فلسطين إلى وقف عرض مهزلة مسلسل فراس ابراهيم، ذي الطابع التجـــاري الذي يسيء بشكل مخز إلى صورة العظـــيم محمود درويش وحقيقة حياته، ونبدي استـــغرابنا الغاضب من تورط تلفزيون فلسطين في عرض هذا المسلسل، الذي تم التحذير من أهدافه ودوافعه التجارية منذ أشهر عدة، كما ندين تورط الفنان مرسيل خليفة، والكاتب حسن يوسف، والمخرج المبدع نجدت أنزور، في هذا العمل السطحي المقيت». ووقع على هذا البيان ما يقارب 2000 شخص.

وكان خداش كتب على صفحته في على الـ«فيس بوك» فور انتهاء الحلقة الأولى من المسلسل: «يا عيب الشوم عليك يا فراس إبراهيم، هل هكذا بدأت حياة محمــود درويش العظيــم؟ لقطاــت غزل وهيام وعواطف مراهقين؟ يا لها مــن طريقة رخيصة لجذب تفاعل المراهقين، محمود درويش بدأت حياته مع السجان والاحتلال والعنصرية والطــرد من البلاد.. يا عيب الشوم يا عيب الشوم».

وقالت الصحافية السورية عتاب لباد: «شخصية درويش ليست سهلة التجسيد، فهي بحاحة إلى فنان حقيقي وليس تاجراً لا يتحسس روح درويش بين كلمات. اما مايعرض فهو مهزلة، فقد تحول درويش إلى صفقة تجارية».

الأكثر مشاركة