تنتظر قراراً بإدراجها على قائمة التراث العالمي
عبق الصين القديمة يفوح مـن« وتشن »
تهدر السيارة أثناء السير على الطريق السريع الذي يتألف من ست حارات ويمر عبر أخاديد بين البنايات الشاهقة، وبعد ربع ساعة من القيادة تسير السيارة عبر أرض شاسعة ومسطحة، وحينئذ تتوارى معالم شنغهاي، ويتبدى للعين منظر الحقول والمروج التي تتخللها قنوات مائية تضم بين جنباتها بِركاً محاطة بأسوار يسبح فيها البط. وعبر دلتا نهر «يانغتسي»، أطول أنهار الصين، تتواصل الرحلة إلى الجنوب الغربي باتجاه المدن التي يقطنها الملايين «هانغتشو» و«سوتشو»، غير أن وجهة الرحلة هي مدينة «وتشن» التي تقع على بعد 50 كيلومتراً فقط من مدينة «هانغتشو»، لكنها أقل شهرة منها بكثير.
وبالمقارنة بمدينتي «هانغتشو» و«سوتشو»، تُعد «وتشن»- التي تنظر قرارا بإدراجها على قائمة التراث العالمي- مدينة صغيرة يقطنها نحو 12 ألف نسمة وتحمل طابعاً تاريخياً ظل كما هو دون تغيير تقريباً على مر القرون. وقبل 10 سنوات قررت السلطات صيانة مدينة «وتشن» القديمة وترميمها واستغلالها سياحياً، والتقدم بطلب لليونيسكو لإدراجها على قائمة مواقع التراث العالمي. وفي الآونة الأخيرة أصبحت المدينة الصغيرة واحدة من أهم الأماكن التاريخية في الصين، ومقصداً محبباً لنزهات اليوم الواحد، لكن من الأفضل أن يقضي السياح هناك ليلة أو ليلتين، كي يتسنى لهم الاستمتاع الحقيقي بجو المدينة التي يفوح منها عبق الصين القديمة.
السفر إلى «وتشن»
في عطلات نهاية الأسبوع تنطلق الحافلات من استاد «هونغكو» لكرة القدم في شانغهاي إلى «وتشن». وتنطلق الحافلات من أمام مدرسة شنغهاي الثانوية، وتعود أدراجها إلى «وتشن» مساءً، وتتكلف النزهة 140 يواناً صينياً (نحو 21 دولاراً أميركياً)، مشتملة على تذكرة الدخول. وخلال بقية أيام الأسبوع تنطلق الحافلات من محطة «هوتاي رود» الخاصة بالحافلات التي تسافر مسافات طويلة، وتستغرق الرحلة ساعتين ونصف الساعة تقريباً، وتتكلف 25 يواناً صينياً (نحو 3.80 دولارات أميركية». |
وعند الوصول تبدو المدينة في بادئ الأمر أقل شاعرية وهدوءاً؛ إذ تقع عين السائح على بنايات جديدة رتيبة وساحة انتظار عملاقة تعج بالسيارات والحافلات وصالة دخول كبيرة ذات مكاتب كثيرة، لكن سرعان ما يتم الانتهاء من إجراءات الوصول وعبور الحواجز. وينقل شخصان الـ20 أو الـ30 سائحاً الجدد في عبارة صغيرة إلى غرب مدينة «وتشن» القديمة، إلى قرية «شيشان»، وتُعد هذه الرحلة التي تستغرق خمس دقائق بمثابة رحلة زمنية إلى حقبة أسرة «تشينغ»، آخر أسرة حاكمة في الصين (1644-1911).
شاي الأقحوان
استطاعت هذه القرية التي تتخللها القنوات المائية والأنهار الصغيرة وتعج بالأزقة الضيقة أن تحتفظ بطابعها القديم، وعلى الرغم من أنه تم توطين سكان قرية «شيشان» في مكان آخر، وتحويل منازلهم المشيدة من خشب الأَرز التي يبلغ عمرها قروناً إلى بنسيونات ومحال تجارية، إلا أن القرية لاتزال محتفظة بمظهرها القديم؛ فهنا مخبز تفوح منه روائح المخبوزات التي يسيل لها اللعاب، وهناك محل شاي يقدم لزبائنه «شاي الأقحوان» الذي تشتهر به هذه المنطقة.
وأمام باب أحد محال الجزارة تتدلى بطات مُعدة وجاهزة للتحمير، ويجد السائح أيضاً محلاً آخر يبيع سكاكين يدوية الصنع، وفناء مُخزناً به قدور خزفية عملاقة مملوءة بصوص الصويا، ومطاعم صغيرة ومقاهي شاي لا حصر لها يعمل فيها السكان السابقون على خدمة الزبائن. وعلى أطراف القرية يجد السائح خشبة مسرح ومنزلاً كبيراً يضم بين أركانه حديقة وبِركة وتماثيل حجرية، ويُعد هذا المنزل نموذجاً لمنازل الأثرياء الذين عاشوا في ما مضى في القرية.
«بوابة الشرق»
ليست هناك ضوضاء سيارات تكسر الهدوء الذي تنعم به القرية، ويتنقل السكان والسياح في ربوع القرية سيراً على الأقدام، ويعبرون من وقت إلى آخر جسوراً مشيدة من الخشب والحجارة وتزدان بالأقواس المستديرة والمدببة. ويصل عدد هذه الجسور إلى 70 جسراً، وبدلاً من ذلك يستقل السائح أحد القوارب «التاكس» ليستمتع بالتجديف عبر طرق مائية لا حصر لها، ويحكي المراكبي «ما» أنه في الأيام الجيدة يخرج في ما يصل إلى 20 جولة. ويقع أحد مراسي القوارب بالقرب من «باغود اللوتس الأبيض»، وهو برج مكون من سبعة طوابق يخترق السماء بارتفاع 51 متراً، وتتم إضاءته في المساء بشكل بديع، شأنه في ذلك شأن «وتشن» بأكملها.
وفي شرق «وتشن» الملقب بـ«بوابة الشرق» والمستغل سياحياً منذ فترة طويلة تتسم الحياة بإيقاعها البطيء أيضاً، وهنا يستطيع السائح أن يتعرف إلى تقنيات الطباعة الصينية القديمة؛ حيث يمكنه زيارة إحدى الورش لتصنيع اللافتات ويشاهد اللافتات القماشية ذات المطبوعات الزرقاء المصبوغة حديثاً وهي ترفرف في الهواء، أو يحضر عرضاً في سرادق ألعاب الظل الخاص بفنان العرائس «يو» أو يتفقد منزل الأديب الصيني الشهير «ماو دون» الذي تحول إلى متحف أو يزور متحف السرائر. وتُعد هذه الأماكن ملاذاً للهدوء بعيداً عن صخب الأزقة. ويطل معظم المنازل على الماء، وتصطف جنباً إلى جنب، وهي مثبتة بأعمدة مركبة على عوامات بقاع النهر. ويعيش السكان في منازل مشيدة من الأخشاب، ذات أسقف عريضة من القراميد وشرفات يمكن للسائح إلقاء نظرة عليها خلال جولته بالقارب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news