أفقد الناس قيمة الوقت والتفاصيل الاجتـــــماعية

الإيقاع السريع للحياة يقتل العلاقات

معظم الناس فقدوا قيمة الوقت والقدرة على التخطيط. أرشيفية

فرض نمط الحياة السريع الذي نعيشه اليوم الكثير من المتغيرات على أسلوب الحياة. وخسر الناس الكثير من العادات في حياتهم اليومية، فيما دخلت عادات جديدة، باتت تحكم طريقة عيشهم وتفاصيل حياتهم الصغيرة. كما ان الايقاع السريع للحياة الذي بات يسيطر علينا في العمل والمنزل في آن معاً، أثر في علاقة المرء بمن يحيطون به، وكذلك علاقته بنفسه، فبات يقوم بالكثير من المهام الذاتية على عجل بسبب ضيق الوقت وكثرة الانشغالات. وبينما يؤكد الكثيرون أثره السلبي في الحياة يرى البعض التأثيرات الايجابية لجهة الانجازات العملية التي يقوم بها المرء.

ويرى أحمد مرعي، أردني، ان «الايقاع السريع في الحياة أثر فينا بشكل كبير، وبشكل خاص في العلاقات الشخصية، فقد باتت الزيارات العائلية شبه معدومة بين الاقارب، وحتى الاخوة». وأضاف «أختي متزوجة وتعيش في الامارات، ورغم وجودنا في البلد نفسه، فإننا لا نلتقي بشكل دائم، فاجتماعاتنا قليلة بسبب الانشغالات اليومية». ولفت مرعي الى ان «الحياة السريعة أفقدتنا الاستمتاع بقيمة الوقت، فبتنا نقوم بكل مهمات حياتنا بشكل سريع، حتى شخصياً عندما اقرر تناول الطعام أفضل شراء الوجبات السريعة وتناولها في دقائق على إعداد أي طبق صحي في المنزل».

إنجازات

تخفيف آثار الحياة السريعة

قدم مدير مركز الاستشارات الدولية الدكتور محمد النحاس مجموعة من النصائح التي تفيد الناس في الحد من تأثير نمط الحياة السريع عليهم، وقال «لابد من العودة إلى التعبير الحسي عن المشاعر والابتعاد عن الماديات، ففي أيامنا هذه بات التعبير عن الحب من خلال الهدايا والأمور المادية، فيما ينبغي أن يكون من خلال الكلام الجميل، والفعل الذي يعبر عن الحنان». وشدد على وجوب إعطاء الآخر القليل من الوقت، كاتصال هاتفي بين الزوج والزوجة، أو حتى اتصالات يومية بين افراد العائلة، من شأنها خلق مساحة جديدة في العلاقات. وأخيراً نوه بأهمية محاولة العودة باكراً من العمل والتخفيف من استخدام التكنولوجيا في المنزل، ولاسيما في الاجازة الأسبوعية.

من جهته، رأى الاماراتي حامد بن كرم، أن الايقاع السريع «أفقد الإنسان الكثير من الأمور في حياته الاجتماعية، فباتت العلاقات الاسرية قليلة». ولفت الى انه يرى الكثير من الايجابيات لهذا النمط من الحياة، فهي تشعر المرء بأنه تمكن من القيام بإنجازات مهمة.

وأضاف «يمضي اليوم ولدى المرء الكثير من الانجازات كي يقوم بها، وهي تزيد من خبراته، وكذلك تسهم في تطور الموارد البشرية في البلد، وتزيد من الخبرات في الحياة». ولفت الى انه لا ينزعج من الوتيرة السريعة في الحياة، فهو يشعر بأنه قام بشيء وبخطوات جديدة، كما أنه لا يشعر بأنه غير قادر على ممارسة هواياته، لأن النمط السريع يمد الانسان بالنشاط والطاقة.

واختلف معه السوري إبراهيم أسران، الذي قال «للأسف كلما تسارعت وتيرة الحياة كلما فقدنا قيمة الوقت، لدرجة اننا لم نعد قادرين على إيجاد الطعم الحقيقي للحياة، حتى الأحداث باتت تجري بسرعة، والأيام تمر دون أن نشعر بقيمتها، وأفعالنا تتكرر الى حد التطابق». وأكد أسران أن «الإنسان لا يعرف من يلوم، التكنولوجيا أو الاعلام والانترنت، التي جعلت من العالم قرية صغيرة، ام ينبغي لوم البشر أنفسهم كونهم من أوصل الحياة الى هنا». ولفت الى أنه بات يتمنى ان يحظى بدقائق يبتعد فيها عن كل شيء حوله، فيصفو فكره، ولكن هذه الامنية باتت من الامور شبه المستحيلة، فحتى في الاجازات يلاحقه الهاتف.

في حين رأى اللبناني ربيع صعب، أن الحياة باتت مادية جداً وليس فيها سوى العمل، فالإنسان ليس لديه وقت للنوم، يعمل طوال الوقت وهذا مرهق. ولفت الى أنه بسبب كثرة الانشغالات التي يفرضها نمط الحياة السريع، خسر القدرة على الترفيه عن النفس، فليس لديه الوقت للقيام بأي نشاط ترفيهي خاص، على الرغم من أهمية الموضوع للإنسان لتجديد النشاط. وشدد على أن التنظيم الجيد لأمور الحياة قد يمكن الانسان من ايجاد القليل من الوقت لنفسه، ولكن مسألة التنظيم صعبة وأحياناً تكون خارج الارادة.

التخطيط

من جهتها، اعتبرت الفلسطينية ريم شمعون، أنه مع هذا النمط من الحياة فقدت قيمة الاشياء، فأصبح الانسان لا يشعر بأهمية ما يملك، وحتى العلاقات تراجعت وباتت مبنية على المصالح الشخصية. وشددت على انها مع كثرة انشغالاتها تجد أن من أصعب الامور في حياتها هو التخطيط، فبات وضع خطة لأي أمر سواء سفر أو حتى الخروج من المنزل في الاجازة من الامور التي قد تحكمها المتغيرات والتي لابد أن تكون وليدة الساعة. ولفتت الى أن هذا النوع من الحياة قد أثر كثيراً في الصداقات، مؤكدة أنها تجد صعوبة في الاجتماع مع صديقاتها.

أما المواطنة فاطمة راشد، فقد رأت ان «النمط السريع يجعل المرء أمام الكثير من التحديات، منها ان يسابق الوقت كي ينجز كل ما هو مطلوب منه». ولفتت الى انها تجد ان الحفاظ على العادات من الأمور الاساسية التي يجب ألا تتأثر بطبيعة الحياة، منوهة بأن المجتمع الإماراتي مازال محافظاً على الكثير من العادات، على الرغم من التطورات التي شهدها في سنوات بسيطة وهذا أمر غير سهل.

بينما أكد اللبناني هاشم محمود، على أن الحياة السريعة التي شغلت المرء عن كل ما يحيط به جاءت نتيجة تطور التنكولوجيا التي جعلت المرء ملاحقاً بانشغالاته أينما ذهب، وبالتالي يشعر بألا وقت لديه للقيام بجميع المهام الاجتماعية أو الحياتية أو حتى الشخصية. ولفت الى انه يحب القراءة كثيراً، ولكن بسبب نمط الحياة الصعب، بات من الصعب عليه القراءة بشكل يومي، وهذا ينطبق على الكثير من الهوايات الأخرى. ولفت أيضاً الى خسارة الكثير من العادات العربية ومنها البسيطة جداً، كاجتماع العائلة على المائدة، فهي من الأمور التي قد تحدث في الإجازة فقط.

مشاعر

وأكد مدير المركز الدولي للاستشارات النفسية الدكتور محمد النحاس، أن الانسان أصبح ينتقل من كونه بشراً الى كونه شيئاً، فقد أصبحت قيمة الإنسان تقاس بالأشياء، منوها بأن الانسان بقدر ما يجمع أشياء حوله يصبح شيئاً. ونصح الناس بوجوب العودة الى الحياة الاجتماعية السوية التي تضمن الاهتمام بالمشاعر والاحاسيس، ولاسيما الأزواج والآباء والامهات، مشدداً على الابتعاد عن العلاقات القائمة على المصالح. وأكد النحاس أن ما نحن فيه اليوم، هو نتاج أفكارنا، وندفع ثمنه من خلال سلوكنا، وبالتالي علينا العودة الى أنفسنا والاهتمام بأنفسنا وبالآخرين والاهتمام بمن يحيط بنا، ولهذا أدعو العائلات الى قضاء وقتهم لعائلاتهم وليس معهم، لأنه من الممكن ان يكون الاشخاص مع بعضهم دون أن يكونوا موجودين بتركيزهم. ونوه بأن تذكر أيام الطفولة أو الأوقات الماضية الجميلة يحث الإنسان على الابقاء على كل ما هو جميل داخله.

تويتر