«السدو».. حكاية مشغولة بأنامل من البادية
تُعد حياكة الصوف و«السدو» من أبرز الحرف التي ترتبط بالموروث، إذ ترتبط بأنامل نساء البادية خصوصاً، ممن تفنن في «السدو»، وغزلن الصوف، وشكلن منه ابتكارات جميلة تزينت بها بيوت الشعر قديماً، ومازالت ابتكارات تلك الحرفة موجودة، رغم المنافسة الشرسة التي تواجهها من السلع المقلدة.
وسلط باحثون ومشاركون في ملتقى الحرف اليدوية السادس في الشارقة، الذي نظم أخيرا، الضوء على تفاصيل لصناعة «السدو»، داعين إلى المحافظة على تراثها الجميل، عبر تشجيع العاملات فيها، وإدخال تلك الحرفة إلى مناهج الدراسة في منطقة الخليج، لحمايتها من الاندثار، ودعماً لما تواجهه من اهمال وتهميش.
وعرضت الباحثة في الحرف التقليدية الكويتية انتصار الطراح، تفاصيل عن صناعة «السدو» وحياكة الصوف، مشيرة إلى أن حرفة السدو تعاني في ظل مزاحمة المنتجات المقلدة لها في الأسواق المحلية والعالمية. ودعت خلال مشاركتها في ملتقى الحرف اليدوية، إلى إدراج حرفة السدو ضمن المناهج الدراسية في دول الخليج، على أن تدخل في مجال تعليم الحياكة من خلال مادة علوم الأسرة والمستهلك، لضمان استمرارية تلك الحرفة، لاسيما في ظل انصراف وعزوف الأجيال عن تعلمها من أربابها.
توصيات أوصى مشاركون في ملتقى الحرف اليدوية السادس في الشارقة، تحت عنوان الحرف النسائية بين الواقع والمأمول، أخيراً، بأهمية تطوير الحرف التقليدية، خصوصاً أنها بقيت لسنوات طويلة دون ابتكار او تحديث على الشكل الذي توارثته الأجيال، الذي لم يتغير بتطور العصر، الأمر الذي هدد الحرف الجميلة وقلل من أهميتها، لاسيما أن ثقافة الاهتمام بالحرف التقليدية والحرفيين لم تنتشر بعد، ما قلل من الحفاظ عليها، وتقوية برامج القروض التمويلية التي تدعم المشروعات الحرفية وتدعيمها بالدراسات التسويقية الحديثة التي تضمن اكبر قدر من النجاح لتلك المشروعات، إضافة إلى ضرورة استحداث جوائز وطنية على غرار الجوائز التي تقدم في مختلف المجالات لتكون عاملاً تشجيعياً لضمان استمرارية وتطوير الحرف. |
واقترحت الباحثة الكويتية إدخال حرفة السدو تحديداً ضمن تخصص التربية الفنية في الكليات، أو على اقل تقدير أن تضاف ضمن المواد التكميلية لمتطلبات التخرج، إذ يمكن أن يخضع الخريجون لدورات في تعلم صناعة السدو وحياكة الصوف قبل انهائهم الدراسة، مضيفة أن «الحرف التقليدية تواجه مستقبلاً مجهولاً، بحسب المهتمين بالتراث الوطني والحرف في الخليج، ممن أكدوا هجران حرفيين متمرسين العمل في الحرف اليدوية إلى أعمال اخرى تدر عليهم الربح الوفير، من دون تحمل مشقة ومعاناة العمل الحرفي، كما أن وجود اعمال تقليد وتكرار للمنتجات والتصاميم الحرفية وعدم القدرة على الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للتصميم أو المنتج، الأمر الذي ينعكس سلباً على المبادرات الإبداعية للحرفيين».
صناعة
بهدف الحفاظ على الحرف التراثية، قدمت انتصار الطراح طرق صناعة السدو وحياكة الصوف «إذ كان يستخدمها البدو في الخليج عنصراً أساسياً في تكوين بيوت الشعر التي هي بمثابة مساكن متنقلة تعبر عن اختيار نابع من ظروف البيئة والحياة التي يعيشها الناس قديماً، وتقوم المرأة بنسج السدو، وهو المعروف عند البدو بمد خيوط الصوف بشكل أفقي وحياكتها على النول، برموز ومعانٍ ودلالات مختلفة لا يعرفها إلا البدو، فمنها ما يدل على سمة القبيلة أو المواسم أو حتى طبيعة أبناء القبيلة وبيئتها».
وكان يطلق قديماً على المرأة الماهرة في الحياكة بـ«الظفرة» وتعني الفائزة، إذ إن الفتاة تبدأ بمزاولة الحرفة منذ نعومة أظفارها، وتعمل على مساعدة والدتها في الغزل والصباغة والحياكة، وعند بلوغها الـ16 من عمرها تكون قد ألمت بحياكة معظم النقوش باستثناء نقش «الشجرة» الذي يعتبر أصعبها، وفق انتصار الطراح التي تابعت عن مراحل صناعة السدو «تبدأ النساء بغزل الصوف الذي يجزه الرجال في نهاية فصل الربيع، وعند بداية الصيف تبدأ نساء البادية بحياكة الصوف، ويستخدمن لذلك نولاً بسيطاً يسهل تركيبه ونقله، وصوف الخرفان والضأن ووبر الإبل وشعر الماعز وتحديداً المسمى بـ(السليل) الذي عندما يبتل نسيجه تتفتح خيوطه بالتالي يزداد تلاحمها مع بعضه البعضا، الأمر الذي يجعلها مقاومة لمياه الأمطار، ويحول دون تسرب المياه داخل بيت الشعر».
ولفتت إلى أن «وبر الجمال يؤخذ من الرقبة والسنام والأكتاف، وكلما كانت الإبل صغيره كان وبرها أكثر نعومة، ويقوم البدو بجمع الوبر المتكتل والمتساقط من الابل في فصل الصيف، أما المتبقي على ظهورها فيتم جزه، لتبدأ معه النساء بعملية الغزل، ويستخدمن فيها مغزلاً بسيطاً عبارة عن قضيب مثبت في طرفه قرص خشب له أربعة أطراف وفي وسطه (مخطاف) او ما يعرف بالسنارة الحديدية، التي تعطي للمغزل قوة دافعة حينما يدور ويتدلى من طرفه الخيط».
صباغة
حول صباغة الصوف، ذكرت الباحثة الكويتية أن «عملية الصباغة والمعروفة عند البدو بـ(الوشيع)، فتكون لصوف الغنم الأبيض أو خيوط القطن فقط، أما الألوان الشائع استخدامها في معظم قطع السدو فهي مستمدة من منطقة الخليج منها الأسود والبني والأبيض والأحمر ودرجات الأصفر والبرتقالي».
وأشارت إلى أن هناك نباتات طبيعية مستخدمة في الصباغة منها الحناء لتعطي اللونين الأسود والأحمر، والعصفر ويعطي اللون الأصفر المائل إلى الاحمرار والزعفران والكركم، أما «قرف» الرمان فيعطي لوناً مائلاً للخضرة، كما يتم استخدامه كذلك في تثبيت اللون، كما تستخدم «النيله» وهي عبارة عن قطع من الحجر الطبيعي الجبلي لتعطي لوناً أزرق، أما العرجون فيعطي اللون البرتقالي.
أما نقوش السدو فتسود عليها ألوان البادية العربية والمستمدة من الصحراء والجبال، ومن أهم النقوش الضلعة والحبوب والعين وضروس الخيل والمذخر وهي على شكل معين والعويرجان وتأخذ على شكل خط متعرج، غير أن أصعب تلك النقوش هي «الشجرة» كونها تحتوي على أشكال بداخلها ولا تتقنها إلا الناسجة الماهرة، وتحتوي على مجموعة من النقوش المتشابكة من المثلثات والعين والحلق والمبخر، إضافة إلى أشكال الثعابين والجمال، وقد تكون الشجرة عبارة عن كتابة لعبارة معينة، وغالباً ما تكون باللونين الأبيض والأسود.
منسوجات
بيت الشعر لا يخلو من مفروشاته التي تختلف عن مفروشات بيوت الحضر، إذ إن منسوجات البادية غالباً ما تتكون من «القاطع أو الرواق» وهو الحاجز الفاصل بين النساء والرجال وتهتم الناسجة بهذه القطعة من حيث اختيار النقوش، كما يوجد «المساند والمراكي»، وهي مخدة توضع لإسناد الظهر أثناء الجلوس، أما «المركى» فهي التي يتكأ عليها البدو عند الجلوس.
كما تتفنن الناسجة في حياكة المزودة، وهي أكياس صغيرة الحجم تعلق على جانبي ظهور الإبل، وتستخدم لوضع الطعام واللبن وتزين بالنقوش وخيوط الصوف، أما الخرج فعبارة عن أكياس كبيرة الحجم توضع على الإبل لجمع الشعير والأرز، فيما يستخدم كيس «العدل» في التخزين، وفق انتصار الطراح.