الاستعداد والتخطيط له مفتاح لتجاوز صعوباته
تقاعد المرأة ربيع جديد
«متقاعدة، نعم لكن ليست عاطلة عن الحياة»، هذه العبارة التي خلصت إليها متقاعدات في الشارقة شاركن ضمن الملتقى الثالث الخاص بيوم المرأة العالمي، تحت شعار «ما بعد التقاعد ربيع متجدد»، ورددن أن «التقاعد مرحلة من الراحة نستحقها بعد مسيرة كفاح وخدمة سنوات وإنجازات يرفع رايتها من أتوا بعدنا»، إلا أن صدمة التقاعد كانت ولاتزال تؤثر في المتقاعدين، ما يدخلهم في مرحلة كئيبة مملوءة بالألم والمرارة وخيبات متوهمة، كما أنها، بحسب كثيرين، تيار جارف نحو دائرة متصلة من الأزمات النفسية والصحية والاجتماعية.
توصيات لتقاعد إيجابي اقترح المستشار في الاصلاح الأسري يوسف محمد الشحي، عدداً من التوصيات خلال الملتقى الثالث الخاص بيوم المرأة العالمي، تحت شعار «ما بعد التقاعد ربيع متجدد»، منها ما يخص المتقاعدة، إذ عليها أن تخطط، وتعيد ترتيب حياتها، وتبحث عن أدوار بديلة عن العمل اليومي، حتى لا تصل بها الحال إلى الشعور بالانعزال عن الحياة. وأوصى الشحي بضرورة تخصيص مادة في المنهج الدراسي خاصة بوضع دروس عن التقاعد، خصوصاً مرحلة الثانوية، إضافة إلى تفعيل دور الإعلام والقنوات الفضائية في طرح فكرة التقاعد بشكل دوري لتبصير الناس وتوعيتهم، وتكثيف دور المؤسسات الاجتماعية والمراكز الثقافية لنشر فكرة التقاعد. |
وركز الملتقى على المرأة وما تعانيه في مرحلة ما بعد التقاعد، التي عرفتها الدكتورة في جامعة الشارقة أميمة أبوالخير بأنها «المرحلة التي يبلغ فيها الفرد سن الإحالة إلى المعاش، بحسب كل دولة، على أن يراوح عمره بين 60 سنة و65 سنة، فالتقاعد يمكن أن يقرر الفرد خلاله عدم الرغبة في العمل لأسباب معينة، فيحصل على المعاش المبكر أو التقاعد المبكر أو الاستقالة».
وأكدت أبوالخير ضرورة استعداد المرأة لمرحلة التقاعد، على اعتبار أنها مرحلة تحتاج تهيئة نفسية ومالية وفكرية، إذ إن الاستعداد النفسي يكون من خلال إدراك المرأة أن الوظيفة قابلة للزوال بعد مدة طويلة من العطاء، لذلك يفترض ألا تكون الوظيفة محور حياة أي شخص وليست المرأة فقط، كما يجب أن توسع نشاطاتها الاجتماعية والثقافية والرياضية، الأمر الذي يخدمها ويساعدها على التقاعد من خلال عدم الاحساس بتغير نظام الحياة، إضافة إلى ضرورة المحافظة على الصداقات المهمة والاشتغال بالأمور البسيطة وغير المعقدة والبحث عن السعادة والفرح.
وترى أبوالخير أن «المرأة في مقتبل حياتها العملية يفترض أن تعمل دائماً لمستقبلها، وأن تراعي تقلبات الزمن، لذلك فمن الحكمة أن تدخر جزءاً من دخلها لتلبية احتياجاتها في المستقبل، خصوصاً أن تلك المدخرات يمكن أن تشعرها بالأمان والاستقرار المالي والراحة النفسية، إذ إن احتياجات المرأة في مرحلة التقاعد تنحصر في احتياجات اجتماعية ممثلة في الرغبة في التواصل مع الأسرة، وتكوين علاقات اجتماعية مع الآخرين، إضافة إلى احتياجات صحية، منها الفحص الدائم والتشخيص السليم، والاهتمام بالصحة، واحتياجات نفسية واقتصادية وتأتي من خلال توفير السكن والغذاء والمال والشعور بالاهتمام والراحة النفسية والاستقرار».
ولفتت أبوالخير إلى ضرورة مصالحة الذات بعد مرحلة التقاعد من خلال رفع شعار «خذ التقاعد وابدأ من جديد»، إذ إن التقاعد يتوافق مع حياة المرأة التي يجب عليها أن تتصالح مع ذاتها وتبدأ حياتها من جديد وتستثمرها في أمور متعددة، منها القراءة والمطالعة والسفر والسياحة والترفيه والتقرب من الأصدقاء وتقوية علاقاتها الاجتماعية، إضافة إلى الاهتمام بالصحة العامة، وممارسة الرياضة، واستغلال الأوقات في مشروعات يمكن أن تزيد من ثقتها وتعزز مكانتها في المجتمع.
التقاعد مصيبة
اعتبر استاذ علم النفس المشارك في جامعة الإمارات والاستشاري النفسي الدكتور أحمد عبدالعزيز النجار، أن «قرار التقاعد إذا لم يكن مدروساً سيكون طامة ومصيبة كبرى تلقى على عاتق الفرد، على الرغم من أنني لا أوافق على مصطلح التقاعد دون ارفاق كلمة العمل على التقاعد، على اعتبار أن كلمة التقاعد اصطلاحية وليست لغوية، والأصل الحياة بعد التقاعد الوظيفي».
وقسّم النجار التقاعد إلى سلبي ينعكس بصورة سلبية على الحالة النفسية والاجتماعية والعقلية والاقتصادية للمتقاعد، أما النوع الثاني فهو التقاعد الايجابي أو الناجح، الذي ينقل صاحبه إلى مرحلة من مراحل الانجاز الشخصي، ويرتبط ذلك بالعوامل التي تحدد شدة الصدمة، منها عوامل متصلة بظرف التقاعد والطبيعة الشخصية، والظروف الاجتماعية والمالية، والاستعداد النفسي للمتقاعد.
وينجم عن التقاعد السلبي مشكلات متنوعة، منها المشكلات النفسية (الاكتئاب والقلق) والمشكلات العاطفية (اضطرابات عاطفية وغضب دائم) ومشكلات اجتماعية تؤدي إلى ضعف في التوافق الأسري، وأخرى سلوكية، واضرابات وانفجار في الانفعالات، ومشكلات ذهنية مصحوبة بتشويش ذهني ومحدودية في ابعاد التقييم، كما يصاحب المتقاعد السلبي مشكلات صحية وحركية وتدهور جسدي.
فشل متقاعد
لفت النجار إلى أنه «يمكن أن تفشل الحياة ما بعد التقاعد عندما لا تكون هناك دوافع كافية، أو يكون ضعف الإرادة من صفات المتقاعد، ومهاراته لا تتناسب مع طبيعة الواقع، ولا يحسن انتقاء المسار المناسب ليصنع حياته الجديدة، إضافة إلى أن بعض المتقاعدين لا يمنحون أنفسهم الوقت الكافي للتغيير، ويتسرعون فيستخدمون اساليبهم السابقة ولا يحسنون بناء المنظومة البيئية المناسبة لتحقيق الطموح».
ولتفادي التقاعد السلبي شدد النجار على أهمية الاستعداد والتخطيط المسبق للتقاعد، الذي يعطي المتقاعد فرصة أكبر لتقبل المرحلة، ويمنحه الجاهزية، ويمكنه من تحقيق التنفيذ السليم والمتكامل للمرحلة الجديدة، ويقلل احتمال الصدمات النفسية والمشكلات الاجتماعية، ويسهم في إنجاح المرحلة وتحقيق المكاسب المرجوة.
نظرة المجتمع
ركز المستشار في الاصلاح الأسري يوسف محمد الشحي، على نظرة المجتمع للمتقاعد على أنه عاطل عن العمل، فكثيراً ما نسمع مصطلح «عطالي بطالي»، الأمر الذي ينعكس سلباً على المتقاعد، الذي يمر بحالة نفسية عند التقاعد، وما هي إلا مرحلة خوف من نظرة المجتمع وما يتبعها من قول ومشاعر قد تميل إلى الشفقة والاحراج والاستغناء والتخلي عن المتقاعد.
وقال الشحي إن «المرأة بعد التقاعد يجب أن تدرك أن لكل مرحلة من العمر جمالها، والتقاعد عن العمل الرسمي هو في الحقيقة انتقال من مرحلة إلى أخرى من العطاء والعمل، إذ لا تتوقف حياة الانسان عند بلوغه سن التقاعد، لذلك يفترض تحسين النظرة إلى المتقاعد بتحويلها إلى نظرة ايجابية، كما يجب تعزيز ثقته بنفسه، كونه يمتلك خبرات وقدرات ومواهب عالية، إضافة إلى التخطيط وعدم ترك الأمور تسير بعشوائية، وهي أخطر الأمور وأكثرها انتشاراً في المجتمع».
حدد الشحي كيف يمكن للمرأة أن تخطط لحياة ما بعد التقاعد، من خلال التخطيط للذات وتنميتها وتهذيبها من خلال العبادة والقراءة وممارسة الهوايات المفضلة والاستجمام والمشاركة بفاعلية في المؤسسات والنشاطات الاجتماعية والخيرية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news