الطب الشعبي.. كنوز من الحياة اليـــــومية
«الخبن والكي والمساح» طرق علاجية لجأت إليها المرأة الإماراتية في الماضي، كنوع من الطب الشعبي البديل، لعلاج الكثير من الأمراض، وتحديداً أمراض النساء والأطفال، وتأخر الحمل، وعلاج التهاب اللوز لدى الرضع، وطرق التعامل مع الخدج، إضافة إلى محاولات متكررة للقضاء على بعض الأمراض الخبيثة، مثل السرطان.
وتعتبر التجارب الحياتية التي خلّفتها الجدات كنوزاً ثمينة، لابد من الرجوع إليها والاستفادة منها، لاسيما أن الطب الشعبي يعد من أهم التجارب التي توارثتها الأجيال من خلال انتقال المعلومات الطبية و«الصنعة» الشعبية من أساليب وطرق علاجية مختلفة، خصوصاً أن الأجداد وجدوا في تلك العلاجات الشعبية سبيلهم شبه الوحيدة للتداوي من الأمراض والحيلولة دون تفاقمها.
ولأن تاريخ الإمارات مملوء بموروث الطب الشعبي والعلاج بالأدوية والأعشاب الطبية، التي استمدتها المعالجات من مكونات البيئة والطبيعة المتوافرة بكثرة، خصوصاً في المناطق الجبلية والصحراوية، خاضت الباحثة في مجال التراث، وتحديداً الطب الشعبي، بدرية محمد الشامسي، تجربة الجمع والبحث في مجال الطب الشعبي، متناولة بذلك طب النساء من خلال لقائها ست راويات متخصصات في مجال الطب الشعبي.
وتنوعت مجالات تخصص المعالجات الشعبيات، لتشمل ثلاثة مجالات، منها طب النساء «الحمل والولادة»، والتداوي بالأعشاب، والمساح، والمقصود به المسح باليد على الأعصاب والعضلات الخاصة بالمريض، وتشمل النساء والأطفال، وشملت قائمة المعالجات الست كلاً من حلاوة سعيد خميس (أم سعيد) وشيخة محمد عبدالله (أم خليل) ومريم محمد سيف (أم محمد) وشيخة أحمد اليعقوب (أم خالد) وفاطمة عبدالله الحداد (أم إبراهيم) إضافة إلى آمنة حسن عبدالله (أم عبدالله).
وواجهت الباحثة عدداً من الصعوبات والعقبات لتتمكن من جمع معلومات حول الطب الشعبي، منها صعوبة الحصول على معالجات متخصصات في طب النساء، إذ إن معظم «الدايات» والمعالجات المعروفات في الماضي توفين من زمن بعيد، كما أن رفض المعالجات الحاليات تسجيل اللقاءات صعّب من مهمة الباحثة في تدوين المعلومات، إضافة إلى أن التشويش وعدم قدرة المعالجات على التركيز أثرا في البحث.
معالجات متخصصات
ولادات متعسرة لفتت المعالجات الست إلى أن الداية غالباً ما تقف حائرة أمام تعسر الولادة، بعد محاولات فاشلة لإنقاذ المرأة وطفلها، وفي معظم الحالات تموت المرأة مع طفلها دون أن تتمكن من إنقاذ أي منهما، وترى الباحثة أن هذا الأمر طبيعي في زمن لم تتوافر فيه المستشفيات والأطباء والعمليات القيصرية. واتفقت المعالجات على طريقة علاج الأطفال بالمساح بمسح الرقبة ورفعها من الخلف، إلا أن الاختلاف في طريقة علاج الالتهاب كان حاضراً بين المعالجات، إذ إن بعض المعالجات كن يضغطن على لسان الطفل بواسطة أصابعهن، في حين يعتمدن بعضهن فقط على العلاج بالمساح من الخارج، وأخريات يستخدمن خرقة معقودة ثلاث عقدات ترفع بها رقبة الطفل، ويعود التباين في طرق المساح إلى اختلاف البيئات، فالراوية حلاوة (أم سعيد) من بيئة جبلية، والأخريات من بيئة بحرية، فيما اجمعن على ضرورة الاهتمام بالطفل منذ ولادته، وذلك بتدليكه بالزيوت. |
أكدت الشامسي أن «المعالجات اللاتي التقتهن، تخصصن في طب النساء، فالمعالجة حلاوة سعيد خميس (أم سعيد) تبلغ من العمر 53 عاماً، وتقطن منطقة الطويين في إمارة الفجيرة، وتخصصت في طب النساء، خصوصاً علاج تأخر الإنجاب، والتداوي بالأعشاب، إضافة إلى العلاج بالمساح، لعلاج النساء اللواتي تأخرن في الحمل، ثم تلجأ إلى طريقة العلاج بالخبن، وهي طريقة علاجية تقوم فيها بتحضير كأس من الفخار، تضع فيها رماداً وسبع حصوات، وتشعل فيها النار ثم تضعها على بطن المريضة.
ولفتت إلى أن «المعالجة شيخة محمد عبدالله (أم خليل)، التي تجاوز عمرها 80 عاماً، وتقطن منطقة رأس الخيمة القديمة، تخصصت في طب النساء، على اعتبار أنها مساعدة للدايات، إذ تعالج النساء والأطفال بالمساح، فيما تخصصت المعالجة مريم محمد سيف (أم محمد)، البالغة من العمر 80 عاماً، وتسكن منطقة الظيت الشمالي، في معالجة الأطفال بالمساح، كما اشتغلت بمهنة غسل الموتى فترة طويلة لم تتقاعد منها إلا أخيراً، بسبب تقدمها في السن، كما تخصصت المعالجة شيخة أحمد اليعقوب (أم خالد)، التي تبلغ من العمر 52 عاماً، في معالجة الأطفال بالمساح».
فيما تخصصت المعالجة فاطمة عبدالله الحداد (أم إبراهيم)، التي تبلغ من العمر 68 عاماً، في علاج مرض الكشحة، وهو شعرة تظهر على جسد الطفل، وتحديداً ظهره، فتقوم المعالجة بكي تلك الشعرة الكبيرة لتتمكن أم الطفل من الإنجاب بعده، كما تعالج أم إبراهيم النساء اللاتي تأخرن في الحمل، والأطفال أيضاً، بالمساح والكي، وتعلمت هذه المهنة من جداتها وعماتها، فيما تخصصت المعالجة آمنة حسن عبدالله (أم عبدالله)، البالغة من العمر 75 عاماً، في توليد النساء، كونها داية سابقة مارست المهنة منذ 30 عاماً، وتعلمت المهنة من زوجة والدها، وذكرت أنها كانت الداية الوحيدة في منطقتها، وتعالج (أم عبدالله) حالياً النساء والأطفال المقربين من العائلة بالمساح.
دايات شعبيات
من خلال اللقاءات بين المعالجات والباحثة، توصلت الأخيرة إلى مجموعة من الاستنتاجات، منها إجماع المعالجات على أن طريقة الخبن تعد إحدى أفضل الطرق لعلاج النساء ومساعدتهن على الإنجاب، في حين وجدت الباحثة اتفاقاً بين الراوية فاطمة (أم إبراهيم) والراوية آمنة (أم عبدالله)، على قدرة الداية على معرفة وتحديد نوع الجنين من خلال الكشف على المرأة الحامل، في المقابل لم تذكر بقية الدايات تلك المعلومة، وذلك لأن الراوية (أم عبدالله) هي في الأساس داية متخصصة في توليد النساء.
وقالت الشامسي إن «أربع معالجات من أصل ست، اتفقن على ضرورة أن تأكل المرأة بعد الولادة طعاماً ذا مذاق حار، وتحديداً الفلفل، وذلك لأن الطعام الحار يساعد على تنظيف بطن المرأة، فيما تُعد تغذية المرأة بعد الولادة ضرورية لمساعدتها على در الحليب، كما اتفق الجميع أيضاً على أن المرأة بعد الولادة لابد أن تشرب الحبة الحمراء، وهي بذور نباتية حمراء اللون، ولها مسميات مختلفة، مثل التفة والسخينة وحبة الرشاد والحريروة».
وأكدت المعالجات أهمية وضع حصاة على بطن المرأة بعد الولادة، وذلك لأهميتها في إعادة الرحم (بيت الضنا) إلى مكانه الطبيعي، إلا أنهن اختلفن في مدة وضع الحصاة، فالبعض أكد ضرورة وضعها منذ أول يوم وإلا فقدت مفعولها وأهميتها، كما ذكرت الراوية حلاوة (أم سعيد)، والأخريات ذكرن أهمية وضعها من أسبوعين إلى 20 يوماً فقط.
وشددت المعالجة مريم (أم محمد) على ضرورة أن «يصْلُون» المرأة بعد الولادة، وهي عملية تدليك تقوم بها الداية بمساعدة إحدى قريبات المرأة باستخدام زيت دافئ، وتوضع حولها صينية بها جمر، بهدف وصول الحرارة إلى جسم المرأة أثناء التدليك، الأمر الذي تعتبره الباحثة دليل وعي ودراية بأهمية تدليك جسم المرأة لإعادة الحيوية والنشاط إليها، خصوصاً أن المرأة في السابق كانت تعتمد على نفسها في شؤون البيت، فلابد أن تعالج جيداً لتتمكن من مواصلة واجباتها اليومية بعد الولادة مباشرة.
أمراض مستعصية
لاحظت الشامسي اختلافاً بين الراويات في علاج بعض الأمراض، مثل علاج مرض «بوبريقع»، وهو مرض يصيب المرء نتيجة تعرضه لهواء بارد، فيؤدي إلى شلل في الوجه، قائلة إن «الراوية حلاوة (أم سعيد) أكدت ضرورة أن يلبس المريض خرقة بيضاء على وجهه، بينما ذكرت الراوية فاطمة الحداد (أم إبراهيم) أن المريض يجب أن يلبس برقعاً صنع من النيل المخصصة لصناعة البراقع النسائية، فيما شددت الراوية شيخة محمد (أم خليل) على ضرورة أن يرتدي المريض برقعاً بالمقلوب، بينما اختلفت رواية آمنة حسن (أم عبدالله) عن جميع الراويات، إذ اختلط العلاج لديها بطقوس لم تخل من الخرافات والبدع، وذلك بأن يُذبح فوق رأس المريض تيس ويفرك وجهه بالدم ويعزل ثلاثة أيام ثم يغتسل في البحر».
واختلفت المعالجات في طرق علاج مرض اللصة أو السرطان، الذي ذكرت الراوية حلاوة (أم سعيد) أنه يعالج بالكي بعد ضغط الغدة (الورم) بواسطة كأس من الفخار، ويُكوى محيط المنطقة المحددة، بينما ذكرت الراوية فاطمة الحداد (أم إبراهيم) أن المريض بعد كي غدته المتورمة يوضع في حفرة من الرمل مدة يومين حتى تخـرج كل الأوسـاخ من جسمه.