كذب الأطفال الخيالي يُبرز مواهـــبهم

يتأثر الطفل بمحيطه وعائلته وكل ما يشاهد من أفلام كرتونية، لاسيما التي تحمل الكثير من الخيال الجاذب للطفل. وما ان يتبلور وعي الطفل بكل ما يشاهده، حتى ينعكس ذلك على مخيلته، فيبدأ باختلاق القصص الخيالية التي يرويها، لاسيما التي تكرسه في دور البطل الخارق عند الذكور أو حتى الأميرات عند الإناث. ويعتبر الخيال عند الطفل من المؤشرات التي تدل على الذكاء أو المواهب التي قد يعبر عنها أحياناً من خلال الكتابة أو الرسم، بينما في المقابل لا يمكن اغفال الجانب السلبي في حال لم يتمكن الاهل من توجيهه بالطريقة الصحيحة.

الجو المحيط

اعتبر الدكتور محمد النحاس أن الطفل عبارة عن بذرة تحتاج الى رعاية وتربية وعناية بكل تفاصيل الحياة، وان الجانب الخيالي احد هذه الأوجه التي تتطلب الحنكة من الأهل في التعاطي معها، بغية الوصول الى شخصية سليمة. وشدد على أن أبرز ما يحتاجه الطفل هو التقبل من قبل الابوين، وعدم نهره وقهره أو قمعه جراء ما يقوم من أعمال، بل تشجيعه واحاطته بالدفء والحنان، بشرط ألا يتم الافراط في ما يقدم له من دعم، بل يجب ان يتناسب مع انجازاته.
 

قصص ورسم

قالت (أم يوسف)، مصرية، لديها طفلان، إن «الأطفال بدأوا يبتكرون القصص الخيالية من عمر الثلاث سنوات، لاسيما أنهم يحاولون ان يختلقوا القصص المرتبطة بما يشاهدون من أفلام كرتونية». وأكدت أنها حاولت دعم هذه المخيلة مع طفليها، وكان ذلك من خلال الرسم والتمثيل، مشيرة الى أن تجاوب الطفل مع الاهل يختلف بحسب العمر، وكذلك بحسب مواهبه، اذ لاحظت ان الطفلة احبت التمثيل، بينما الطفل حاول التركيز على الرسم.

أما المصرية (أم فاطمة)، ولديها طفلتان، فأكدت أن ابنتيها بدأتا ترويان القصص الخيالية من عمر الثلاث سنوات، مشيرة إلى أن الأفلام الكرتونية هي أكثر ما يؤثر في الأطفال. ولفتت الى ان بعض القصص المخيفة التي يشاهدانها في التلفزيون تنعكس عليهما، فإحدى بناتها تخاف من الوحوش وتتخيلها مساءً قبل النوم. واعتبرت ان الخيال ينعكس في رواية القصص او حتى في طريقة اللعب، منوهة بأن طفلتها تحب ان تبتكر قصص الاميرات، فهي تعيش دور الأميرة، وتبتكر عالماً خاصا بها.

في المقابل، رأت المغربية نعيمة أبوالكروم، ان الخيال يمكن ان يقود الطفل الى الاختراع، فهو قد يكون مؤشرا الى تطلعات الطفل ورغباته، وبالتالي على الأهل ان يدركوا كيفية التعاطي مع الطفل ومع خياله. واعتبرت ان الخيال هو حاجة داخل الطفل، فهو يريد ان يعبر عن نفسه، ولهذا كل ما يبتكره يرتبط بتطلعاته، وكذلك هو طريقة يستطيع من خلالها اخراج الطاقة التي بداخله، ولذا على الأهل أن يقدموا له الوسائل التي تعينه على اخراج الطاقة وتنمية القدرات والمواهب.

أما المصري، محمد عبدالعزيز، ولديه توأم بعمر 11 سنة، أشار الى أن الخيال عند أطفاله بدأ مع عمر خمس سنوات، ولكن ليس بابتكار القصص، وإنما من خلال الابتكار والاختراع. وأوضح ان أحد أولاده حاول ان يترجم خياله بالرسم، بينما الآخر استغل خياله في المهارات العلمية، اذ يعمل على الابتكار والاختراع. ولفت الى ان التكنولوجيا باتت تتحكم بمخيلة الأطفال الى حد كبير، ولهذا على الناس ان يعرفوا كيف يتعاطون مع أطفالهم في موضوع التكنولوجيا. وأكد أن الفكر بات استراتيجياً عند الأطفال، ولهذا لابد من معرفة كيفية ادارة تعلق الاطفال بالتكنولوجيا في حياتهم لتكون آثارها ايجابية.

أما محمد وهيب فقد لفت الى ان ابنته بدأت تروي القصص الخيالية في سن الخامسة، مشيرا إلى أن اسئلتها تكون عالية الخيال . وشدد على ان ابنته تعكس كل ما يدور في ذهنها من خلال الرسم، مؤكدا أنها غالبا ما تعتمد رسم اهلها بالطريقة التي تناسب مزاجها، فهي ترسم الأم والأب إما سعداء او حزينين، تبعا للحالة النفسية التي تمر بها، أي ان كانت فرحة او تشعر بالحزن من أبويها.

اما الإماراتية لولوة محمد، ولديها طفلان، فقد لفتت إلى أن ابنها يحاول ان يلعب بعض الالعاب التي فيها قوة، وهي غالباً ما ترتبط بالقدرات الخيالية الخارقة. واشارت الى ان ابنها متأثر بشخصية «سبايدر مان»، لكنه يزيد من الحركات التي يقوم بها، ويمزج بين المسلسلات التي يشاهدها، فبالنسبة اليه أمور التحول والطيران كلها سمات يمكنه القيام بها، ويتخيل انه فعلاً يتحول ويصبح محارباً خارقاً.

كذب خيالي

أكد مدير مركز الاستشارات النفسية، الدكتور محمد النحاس، أن مرحلة الكذب الخيالي عند الأطفال، هي المرحلة التي يختلق فيها الأطفال القصص الكثيرة التي لا ترتبط بالواقع، والتي تكون نتيجة سماعه بعض القصص من المحيطين، والاضافة عليها من خياله. ولفت الى وجوب تعاطي الأهل بذكاء مع هذا الخيال عند الأطفال، لأن قمع الطفل حين يتكلم عن بعض القصص يؤدي الى قمع الجانب الابداعي عنده، اذ ترتبط أحيانا هذه القصص بالجانب الابداعي، كالكتابة أو الرسم. واعتبر النحاس ان الكذب الخيالي مفيد في حال قام الاهل بتدعيمه، إذ ينمي بعض المهارات عند الطفل، مشدداً على ان أساس الخيال يأتي عن طريق القصص والحكايات، ولهذا عندما يحرم الطفل من القصص، يكون قد حدد الخيال عنده.

وأشار النحاس الى ان الكذب الخيالي، حين ينتقل الى كذب انتقامي، يكون دليلا على اضطرابات نفسية عند الطفل، اذ يدعي الطفل أحياناً بعض الأمور التي تدلل على البطولة، وذلك ليبرز نفسه. وأوضح أن هذه الاضطرابات، غالبا ما تكون مترافقة مع بعض الاضطرابات المصاحبة، ومنها التبول ليلاً أو الخجل. وحول العمر الذي يبدأ الطفل ببلورة هذا الكذب الخيالي، لفت النحاس الى أنه يبدأ من العامين وحتى السادسة من العمر، مشيراً الى ان الكذب الانتقامي يبدأ في سن الثامنة، والذي غالبا ما يكون مؤشراً إلى ان الطفل يعاني اضطرابات نتيجة الصراعات القائمة بين الوالدين في المنزل، والتي يشهدها على نحو مستمر. ولفت النحاس الى ان الكذب الخيالي يكون مؤشراً، في غالب الاحيان، الى الابداع عند الطفل، فقد يكون كاتباً في المستقبل ان عرف الاهل توجيه هذا الخيال، ولهذا يجب عدم قمعه، إلا في الحالات التي تشكل خطورة على الطفل، كأن يحاول الطيران أو ما شابه.

 

 

الأكثر مشاركة