مهـرجـان للحشـرات في بلجيكا
تتميز مدينة جنت البلجيكية بمزايا عديدة تجعلها مدينة الدهشة الأوروبية بامتياز، فبالإضافة إلى طابعها المعماري الهولندي العريق القائم حول قنواتها المائية التي تتخلل المدينة بشكل ساحر، فإن المدينة القديمة في تاريخ أوروبا، وأهلها ذوي الأصول الفلامانية، اشتهروا بكثرة الاحتفالات والمهرجانات طوال مواسم السنة، وهي مهرجانات تتوالى وتتفاوت بأنماطها وحجمها إلى أن تصل إلى ذروة مهرجاناتها الصيفية، في شهر يوليو من كل عام، والمتمثل في مهرجان جنت الكبير. هذا طبعاً غير مهرجانات أخرى لا تقل أهمية مثل مهرجان جنت السينمائي الدولي، ومهرجان موسيقى الجاز العالمي.
وفي افتتاحية غريبة لموسم مهرجانات الصيف لهذا العام، شهدت مدينة جنت، قبل أسبوع، مهرجاناً للأطفال والبالغين على حد سواء، هو «مهرجان الحشرات»، الذي عقد في حديقة ومبنى «عالم كينيا»، أحد مراكز التراث والثقافة الإفريقية في مدينة معروفة باحتضانها الثقافات البشرية المتنوعة.
المهرجان الذي استمر يومين فقط، بداعي الظروف الطبيعية للحشرات المشاركة في فعالياته، اشتمل على برنامج مكثف تعليمي وترفيهي يحقق غاية فكرته المتمثلة في التعريف بعالم الحشرات المعقد عبر طرق مبسطة للأطفال والبالغين، ومحاولة تجسير الهوة المتزايدة بين الإنسان والطبيعة عبر فهم الطبيعة نفسها.
أول برامج المهرجان، وبدايته الحقيقية حال دخول الزائر بوابة الحديقة، هو الشرنقات الأربع المعلقة بعناية على شجرة ضخمة، والشرنقات الأربع تمثل أربع مراحل متتالية من عمر الشرنقة، وبداية رحلة الحياة للفراشة. ويترافق عرض «الشرنقات» الحي مع عرض فيلم على شاشة جانبية يبرز الحياة داخل الشرنقة نفسها.
وفي الحديقة الضخمة مترامية الأطراف، والتي يتخللها قناة مائية ومستنقعات صناعية تمثل الحياة الطبيعية في الغابات، توزعت «صناديق الفرجة»، وهي مجسمات بحجم مضخم تتسع لدخول عدد محدود من الزوار، وتمثل أشكال خلايا النحل من الداخل، مع قطع مجسمة للخلايا الشمعية، يعمل الأطفال على تركيبها في عملية تعليمية وممنهجة.
وفي عالم النحل المذهل، ومن خلال خبراء متخصصين، يتم عقد ورشة تدريبية سريعة ومكثفة تلقي الضوء على كيفية تربية النحل، وربما تكمن الإثارة في اسم الدورة وهو «فندق النحل».
بعد عالم النحل، وفي البيئة الخارجية للحديقة الضخمة، استثمر المهرجان والقائمون عليه وجود القنال المائي ليصنعوا بيئة مشابهة عبر مستنقعات صناعية حقيقية «صديقة للإنسان وآمنة»، وقد وضعوا فيها يرقات الحشرات الصغيرة التي تعيش في تلك الأجواء عادة، ويمكن رؤيتها من خلال الماء الصافي.
كما أحاطوا القنال بأقفاص شبكية تحوي حشرات حية، تضاهي تلك التي تعيش في الطبيعة بجانب الأنهار أوالمياه الراكدة.
وبعد جولة الحديقة والمتنوعة بعروضها، ندخل متحف الحشرات في المبنى، وقد تم تقسيمه إلى ثلاثة أقسام، القسم الأول متحف النحل، وفيه كل ما يتعلق بعالم النحل وتربيته وصناعة العسل، حيث يحوي المتحف خلايا نحل حية، من مختلف أنواعه وأجناسه، في أحواض زجاجية تمكن الزائر من رؤيتها، مع شرح صوتي مفصل أمام كل حوض. كما يحوي هذا القسم أدوات تربية النحل المختلفة عبر العصور، وطريقة تربية النحل في الجزء الفلاماني - الهولندي من أوروبا.
وبعد قسم عالم النحل، وعبر ردهة صغيرة، يدخل الزائر إلى قسم متحف الحشرات الغريبة، وهي الحشرات التي يتعذر وضعها في الحديقة، إما لخطورتها او لعدم توافر ظروف مناخية طبيعية مناسبة لها. وفي هذا المتحف الغرائبي، يتعرف الزائر إلى حشرات اليعسوب، والخنافس العملاقة، وفرس النبي المتخفي، وغيرها من حشرات حية موضوعة في أقفاص زجاجية مؤثثة بالحشائش الطبيعية لموطن تلك الحشرات.
في زاوية قسم عالم الحشرات، وكتنويه لخطأ شائع بين الناس، وضع المهرجان أقفاصاً زجاجية أخرى لمجموعة متعددة من العناكب مع إشارة مكتوبة يرافقها شرح عند الطلب من خبير، تشير إلى أن العناكب ليست من صنف الحشرات، ولغايات الشرح والتوضيح وجدت هذه الزاوية العلمية.
من عالم الحشرات، بكل تنوعاته المدهشة، يكون القسم الأخير من المتحف الداخلي في صالة العرض السينمائي، والتي تعرض بشكل متواصل أفلاماً وثائقية خاصة عن الحشرات المختلفة في المعرض، تم تصوير تلك الأفلام في المواطن الطبيعية لها.
بعد تلك الجولة الكبيرة، وفي الفناء الخلفي للمبنى حيث امتداد الحديقة الضخمة، تقبع الكافتيريا التي يرتاح فيها الأهل من غرائب عالم الحشرات في جلسة طبيعية، لا ينتهي فيها التعليم المدمج بالترفيه، فالساحة مزودة بألعاب وأراجيح تأخذ شكل الحشرات وعالمها الغريب، ليحقق المهرجان أهدافه في إيصال المعلومة بالترفيه والمتعة.