«السفافة».. أمّهات يطرّزن التراث لحماية الهوية

تواجه صناعة الخوص أو ما يعرف بـ«السفافة» خطر الاندثار، لاسيما في وجود ذلك الزخم من المنتجات عالية الجودة والمنافسة بشكل كبير للمنتوج اليدوي، إلا ان مركز الشارقة للحرف اليدوية يصارع من أجل الحفاظ على ذلك الموروث الشعبي والتراثي من خلال تنفيذ دورات تدريبية للناشئات، لغرض تعلم تلك الحرفة على أيدي منتسبات من محترفات ومتخصصات في صناعة السفافة وصباغة الخوص.

وتعد صناعة السفافة واحدة من الصناعات التقليدية المنتشرة في الإمارات، والتي احترفتها المواطنات، وتحديداً اللاتي يقطنّ المناطق المنتشرة فيها أشجار النخيل، فقد طوعت المرأة الإماراتية خوص النخيل لتلبي احتياجاتها اليومية من مواد متعددة الاستعمال، فصنعت السلال والمراوح اليدوية أو ما يعرف بـ«المهفة» إضافة إلى ميزان (المكيال) والضميدة والمجبة والمشب.

معاناة الحرف اليدوية

تواجه الحرف اليدوية التقليدية مصيراً مجهولاً ويشارف بعضها على الانقراض، في ظل غياب التسويق الجيد للمنتوج الحرفي وانصراف الأجيال عن تعلم الحرف من أربابها، ونشاط السلع الصينية واقتحامها عالم الحرف التقليدية.

وتمثل الحرف التقليدية المتوارثة عبر الاجيال، والتي خطت لنفسها طريقا واضحاً بين يدي الحرفي المتمرس الذي ابتكرها وأوجدها، علامة متميزة ورصيداً ثقافياً ثميناً وتعبيراً عن أصالة البلد، لاسيما أن أغلب منتجات الحرف اليدوية تأثرت كثيراً بطبيعة المكان والمعيشة اليومية التي سخرت المنتجات لتتناسب مع احتياجات الفرد.

إلا أن الحرف التقليدية تواجه واقعاً لا يبشر بالخير، بحسب مهتمين بالتراث الوطني والحرف التقليدية في الخليج، شاركوا في ملتقى الحرف التراثية السادس تحت عنوان «الحرف النسائية بين الواقع والمأمول»، أخيراً، واعتبروا أن الحرف التقليدية في دول الخليج تشارف على الانقراض، وذلك بعد أن انصرفت الاجيال الأحدث عن تعلمها من اربابها، لتواضع المردود المالي لمعظم الحرف، وبعد احتدام المنافسة بين المؤسسات التجارية لفرض الأشكال التجارية ذات الانتاج الواسع وغزوها الأسواق المحلية، وتوافر البديل الأجنبي بأسعار رخيصة.

وما يميز صناعة السفافة تلك الدقة والجودة في صنع المنتجات، والتي باتت علامة مميزة للإمارات عن غيرها من الدول، لاسيما أن السياح والزائرين يفضلون اقتناءها رمزاً ارتبط بالهوية التراثية للدولة. والسفافة هي عبارة عن خوص من أوراق سعف النخيل تجمع مع بعضها وتفرز بحسب اللون والسماكة، وتصنع السفافة على شكل جديلة تتحكم الصانعة بحجمها، وذلك بحسب المنتج الراغبة في صناعته.

وحول أدوات السفافة قالت المواطنتان (أم سعيد) وشيخة أحمد اللتان امتهنتا صناعة وصبغ السفافة منذ سنوات طويلة «تصنع السفافة من الخوص الذي يتعرض لحرارة الشمس، ليتغير لونه ويصبح مائلاً الى اللون الأبيض، فالخوص نوعان الأول هو لب سعف النخلة، والذي يتميز بصغر حجمه وسهولة تشكيله، لذلك يتم استخدامه بكثرة في المنتوجات، أما النوع الثاني فهو المستخرج من بقية أوراق النخيل، والذي يمتاز بالسماكة والخشونة، لذلك نستخدمه في صباغة السفافة، كونه يتحمل غليان المياه أثناء الصباغة».

صبغ الخوص

تشرح (أم سعيد) وشيخة أحمد طريقة صبغ الخوص على النحو التالي: يبدأ صبغ السفافة، بتحضير الألوان المخصصة لذلك الغرض والمتوافرة لدى محال العطارة، وهي على شكل أحجار صغيرة تتوافر بألوان الأخضر والأحمر والأصفر، وهي أهم الألوان التي تشتهر بها منتجات السفافة الإماراتية، وتميزها عن غيرها من صناعات دول الخليج. بعدها يتم وضع كمية وفيرة من المياه في قدر وتسخن حتى تصل الى درجة الغليان، في أثناء ذلك تقوم الصانعة بفرز الخوص وتحديد الكميات الراغبة في صباغتها، مع الأخذ بعين الاعتبار صباغة كمية كبيرة من الخوص في كل مرة وتخزينها للاستفادة منها لاحقاً.

تضع الصانعة اللون في المياه المغلية، وتحركها لضمان اختلاطه بالمياه، وبعد ذوبان الكمية الموضوعة، تضع أوراق الخوص المراد صباغتها تدريجياً، وتحركها وسط المياه المغلية لمدة تراوح بين خمس دقائق إلى 10 دقائق تقريباً، بعدها تخرج الخوص المصبوغ من القدر وتضعه جانباً ليجف، وتعيد جميع الخطوات مع غير المياه في كل مرة.

وأكدت (أم سعيد) أن «الخوص المصبوغ عند البدء باستخدامه لابد من نقعه في الماء، وذلك حتى يلين ليسهل تشكيله، إذ إن اللون أو الصبغة لا تزول عند وضعها في الماء من جديد، ويبدأ التصنيع بعمل جديلة طويلة وعريضة متقنة الصنع متناسقة الألوان، ويختلف عرض الجديلة حسب نوع الإنتاج»، لافتة إلى أنه «كلما زاد عرض الجديلة، يزيد تدريجياً عدد أوراق الخوص المستعملة».

منتجات السفافة

مراحل صناعة «السفافة»

تُصنع من الخوص منتجات متنوعة، وفق (أم سعيد)، منها سلال الخوص وعادة ما تكون ذات أشكال مستديرة وعميقة وأحجام مختلفة، وتستخدم في حفظ الملابس ونقل التمر، أما «المجبـة» أو«المكبة» فهي عبارة عن مثلث أو مخروط ذي قاعدة عريضة ورأس مدبب، وتستخدم لتغطية الأطعمة من الحشرات أو الغبار.

أما «المهفة» فتستخدم مروحة للتهوية ولترطيب الجو، فيما «المشب» هو عبارة عن قرص دائري الشكل صغير الحجم ويستخدم في شب «النار» لإشعالها لتحضير الأطعمة، وتستخدم «الضميدة» وهي عبارة عن جورب صغير مصنوع من سعف النخيل، في حفظ التمر.

ويصنع من الخوص الميزان وهو بشكل الميزان الحالي، لكنه من الخوص معلق على طرفي عصا طويلة ومربوط بخيوط، غالباً ما يستخدم الميزان في شهر رمضان لوزن التمر والرطب، أما «المخرفة» فهي عبارة عن سلة من الخوص لها يد طويلة يعلقها الرجل في رقبته ويصعد بها على النخيل لجمع التمر.

كما يصنع من الخوص «السرود»، وهو خوص مصنوع على شكل دائري تستخدم مائدة يوضع عليها الطعام، وغالباً ما يختلف حجمها بحسب أعداد أفراد الأسرة، وقد اختفى «السرود» حالياً وحلت مكانه المفارش البلاستيكية، كمـا تصنع سجادات الصلاة من الخوص، وغالباً ما يكون لونهـا أبيض وشكلها بيضاوي.

الأكثر مشاركة