الأضحية والعيدية والأرجوحة والحلوى.. تفاصيل في يوم استثنائي
ذكريات العيد تجدّد بهجة الماضـي
يأتي العيد وتبتهج القلوب بحضوره الذي يضيء الذكريات، وتزداد حركة الناس مهنئين كل أهلهم وجيرانهم وأصدقائهم، وينتظر الأطفال العيدية التي تزيدهم فرحاً، وهم يرتدون ملابسهم الجديدة. ولكن ماذا يقول الكبار عن ذكرياتهم أيام العيد خلال مرحلة طفولتهم؟ وما الذي لايزال يشع في تلك الذاكرة من ملامح زمن ليس مثل هذا الزمان؟
للعيد بهجته وذكرياته أيضاً، وهناك من يتذكر أمه وهي تعد كعك العيد وحلوياته المميزة، وهناك من يتذكر والده الذي يشتري خروف العيد، أو وهو يأخذ العائلة في جولة في الأسواق لشراء ملابس جديدة، خصوصاً للاطفال. وهناك من يتذكر، كل عيد، ألعاب العيد، مثل الأرجوحة، التي لا تتحرك إلا في الأعياد. وهناك من يتذكر رفاق الطفولة والأعمام والاخوال، وكذلك العيدية التي لا تنسى.
لدى الكبار، تغيرت الأماكن وتغيرت طقوس العيد، لكن بهجة العيد لا تغيب عن عيون الأطفال في كل زمان.
تتذكر رئيسة قسم الاتصال في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، عائشة العاجل، طفولتها والعيد، وتقول: «أتذكر الفريج وبنات عمي تحديداً، وأتذكر عمي عبيد وعمي علي،أ (عليهما الرحمة)، اللذين لطالما أعطونا أنا وأطفال العائلة عيدية العيد».
لا تستطيع عائشة نسيان الأرجوحة في منطقة الرولة القديمة، اذ كانت تكتظ بالأطفال الذين جاءوا من كل المناطق ليفرحوا بالعيد، «أتذكر كذلك لقاء صديقات الطفولة، وجمعة الأهل والأقارب في منزل العائلة».
وتعتبر عائشة أن «مظاهر العيد في الوقت الحالي تغيرت، فما عادت هناك فرحة للعيد الذي تبدّل كثيراً، وكأن قلوبنا كبرت مـع الزمن وكأننا كبرنا على العيد، فما عادت فرحته تؤثر فينا كما كانت في أيام الطفولة».
«بين قطوف الذاكرة المسكونة بالحب الأول لوجوه وحالات وأشياء، والعطش المسافر لتلك الأيام الأقرب إلى فراديس القلب، تبقى مخيلة الطفولة في صباحات العيد زاخرة بكل ما هو حقيقي ومضيء في تلك الأيام العذبة من بياض القلب في حضن العائلة والأهل والأصدقاء».. هذا لسان حال الشاعر قاسم سعودي، في التعبير عما يجول في خاطره في عيد الأضحى. ويواصل سرد ذكريات تعود الى طفولته في العراق: «تلك المباهج التي تربطنا حين كنا صغاراً، إذ نلتف حول أمي الحاجة بدرية طريف وعائلتي وأصدقائي في بغداد، في لقاء يشبه حضن زهرة عطرة يقودنا إلى أبواب العيد المفتوحة على صوت الفرح».
ويتابع في تذكر الماضي الجميل المرتبط بالعيد، أن «أمي التي كانت تواري دموعها في الأوقات الصعبة، لتغزل لنا فرحاً خاصاً، كانت تحرص على توزيع البهجة علينا، فلاتزال في ذاكرتي تلك الثياب التي كانت كالابتسامات الجديدة، والعيون التي تتلون ببهاء صبيحة العيد، والركض الجميل إلى بيوت الأقارب والجيران وساحات المرح والألعاب».
كما لا ينسى سعودي العربة الخشبية التي يجرها حصان، وضحكات الأطفال ودهشتهم في طقوس العيد، والبالونات الملوّنة وهي تزدحم بأصابعهم الصغيرة التي كانوا يطاردونها في سماء المدينة، والقمصان الجديدة ورشات العطر والجيوب الصغيرة التي ترتقب فلوس العيدية المنتظرة. وأرسل سعودي قبلة كبيرة لأمه، ولم ينسَ جميع الأمهات وصغار العالم كله الذين يتأهبون للقاء العيد رغم هبوب الحزن القادم من الحروب، على الرغم من تعكر صفاء الأجواء في كثير من البلدان، لكن تبقى الدعوة مفتوحة من أجل السلام والحب والطفولة.
انتظار
المؤلف المسرحي أحمد الماجد، يتذكر في أيام عيد الأضحى رفاق طفولته في العراق، إذ كانوا يكتبون على حائط بيت أهله إشارات على عدد الأيام المتبقية لقدوم العيد، وبعد كل يوم يمسحون رقماً في عد تنازلي يرتقبون معه فجر العيد، لما له من حضور عظيم في نفوسهم الصغيرة.
ويقول الماجد إنهم «كانوا يخرجون مع شروق الشمس، ولا يعودون إلا بغروبها، منطلقين بزيارات إلى الأقارب وجمع أكبر كمية من العيدية، إذ كانوا يتفاخرون في ما بينهم ويتنافسون في قيمة العيديـة الأكثر، ليبدأ الفصل المشوق من رواية الماجد وهو صرف العيدية على شراء (دارامندر واميتاب وبروس لي وجاكي شان)، وهي عشقهم الطفولي القديم».
ويتذكر: «أول عيدية استلمتها من والدي، (رحمه الله)، كانت نصف دينار، أما أكبر عيديـة استلمتها كانت 10 دنانير من خالي»، مضيفاً أن «أول شيء أتذكـره أو يخطر في بالي في العيد هو خروف الأضحية، إذ إنه يحظى برعاية والدي، لأنه كان مولعاً بتربية الأغنام، وكذلك الدجاج».
ويتابع: «أذكر مرة قبل قدوم العيد بشهر، جاء والدي إلى البيت بسيارة نقل كبيرة، محملة بـ37 خروفاً من أجل تربيتها في حديقة البيت، وقد ذبح السمين منها للعيد، فما كان من والدتي، إلا الاحتفاظ بخروفين فقط، ووزعت البقية على الجيران عنداً في أبي، لأنه لم يخبرها عن فعلته تلك». ووصف الماجد العيد بأنه «يوم حميمي ودافئ وألفة فقدناها مع تقدم العمر، وبالنسبة لي لم يختلف الأمر كثيراً، فأنا مازلت انتظـر العيديـة إلى الآن، ولو منحني أحد عيدية سأشكره وآخذها وأفرح بها».
حلويات
موظفة العلاقات العامة والإعلام في شركة «صحارى للاتصال»، علياء حسن، تقول إنها «تتذكر والدها في أول أيام عيد الأضحى، وتفتقده بحكم البعد عن الأهل لظروف العمل، إذ اعتدنا على الذهاب لصلاة العيد معه والإحساس بفرحه العيد عند سماع التهاليل والتكبيرات».
ولاتزال في ذاكرة علياء مشاهد ومقتطفات لصور توزيـع أضحيـة العيد على الفقراء والمساكين، وما يصاحب تلك الذكريات من مشاعر مختلطـة ما بين الفرح لإسعاد الآخرين، والحزن على حال هؤلاء الفقراء، إلا أن مجمل الشعور كان جميلاً، لاسيما عند رؤية الفرحة على وجوهم ومشاركتهم العيد. كل هذا يجعل للعيد نكهه مميزة.
وتقول: «لا انسى صنع الحلويات المرتبطة بالأعياد من معمول وكعك العيد والغريبـة، وغيرها الكثير من الحلويات».
وتستذكر زيارات المعايدة التي كانوا يقومون بها، سواء للأقارب أو الأصدقاء، وصحون المعمول التي كانوا يأخذونها معهم في كل زيارة. أما اليوم، تكتفي علياء بمعايدة والدها والدعاء له بالصحة والعافية وطول العمر.
ملابس جديدة
تنتقل الموظفة عفت سامي، إلى طفولتها المفعمة بالحيوية والسعادة والفرح، إذ تعتبر العيد الجزء الأكثر سعادة في طفولتها، وكانت مثل حال جميع الأطفال تفرح كثيراً بملابس العيد، التي تحضرها في خزانة ملابـسها منذ أسبوع، وقد يكـون قبل أشهر من حلول العيـد قد اختارت هدايا العيد وخططت لما تشتريه بالعيدية.
وتنتظر عفت حلول الفجر الذي كانت تستدل على بزوغه عبر مكبرات الصوت التي تردد التكبيرات الممزوجة بأصوات المصلين، لتقفز تلك الطفلة الصغيرة وتوقظ أخوتها من النوم الذي فارقهم طوال ليلتهم في انتظار الفجر، ليسرعوا إلى ارتداء الملابس الجديدة.
وكونها البنت الوحيدة في العائلة، كانت تختار أحلى الفساتين وأجمل الحلي وتستعين بوالدتها لتساعدها على تسريح شعرها. وفي غفلة من والدتها، تضع القليل من أحمر الشفاه قبل أن تخرج هي وأخوتها لأخذ العيدية.
ويتذكر علي فارس، والدتـه في أول يوم في العيد، لاسيما أنها لا تفارقه صورتها، إلا أن الشوق يزيد مع حلول العيد. كما يحن لعائلته التي تركتها منذ عام ،2001 كونه يعمل في الإمارات منذ ذلك العام.
ويفتقد فارس أيام العيد مع العائلة والأقرباء والجيران، ولا ينسى وليمة الغداء، و«الكليجة» التي هي تشبه المعمول، كما يفتقد مشهد الخراف التي تتراكض من مكان إلى آخر، وأجواء بغداد وشوارعها القديمة ومظاهر الفرح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news