كائنات مجهرية تكافح الغازات الدفيئة
تمتلك الطبيعة العديد من المقومات التي تجعلها تقف في وجه التلوث المستمر، ولا يقتصر التلوث على الزيادة الكبيرة في غاز ثاني أكسيد الكربون، إذ هناك غازاً أكثر تلويثا للبيئة ويدعى غاز النيتروس، ويعرف أيضا بأكسيد النيتروجين الثنائي أو أحادي أكسيد ثنائي النيتروجين وهو مشهور باسم «غاز الضحك»، لآثاره المنشطة عند استنشاقه ويستخدم في الجراحة وطب الأسنان لآثاره المسكنة والمخدرة. وهو موجود في الهواء ويعد من الغازات الدفيئة. ويقول باحثون في مختبر أوك ريدج الوطني، التابع لجامعة تينسي الأميركية، إن النيتروس أشد فتكا بطبقة الأوزون من غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 300 مرة. وينبعث الغاز الملوث في الهواء بفعل نشاطات الإنسان المختلفة، منها الزراعية ومعالجة مياه المجاري وحرق الوقود الأحفوري، ولحسن الحظ تمتلك الطبيعة عددا من المكونات، ربما أكبر مما كان معروفا، تتم بواسطتها مكافحة التلوث، حسب الباحث في المختبر البروفيسور فرانك لوفلير.
وأشارت تقارير علمية إلى أن انبعاثات العالم من ثاني أكسيد الكربون بلغت رقما قياسيا العام الماضي، وطبقا للتقديرات، وصل حجم انبعاثات العالم من هذا الغاز في 2011 إلى نحو 34 مليار طن، بزيادة 0.8٪ على عام 2010.
واستطاعت بعض الدول خفض انبعاثها من هذا الغاز، الذي يسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري، التي تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، واستندت هذه التقديرات بشكل رئيس إلى البيانات الخاصة باستهلاك العالم من النفط والفحم.
يعرف علماء البيولوجيا الحيوية منذ زمن طويل بوجود عدد محدد من الكائنات المجهرية، تقوم بتحرير النيتروجين وهي عملية تجعل هذا الغاز غير ضار. واكتشف لوفلير وزملاؤه أن هذه الخاصية موجودة في مجموعات أخرى من الكائنات المجهرية، التي تقوم بالتخفيف من حدة الانبعاثات من خلال استهلاكها هذا الغاز. وبعد فحص ودراسة مجموعة من الكائنات وجد الباحثون أن بعض الميكروبات والجزيئات الدقيقة لها مقدرة على تحويل الغازات الملوثة إلى عديمة الضرر بالطبيعة، وتوجد هذه الميكروبات في معظم الرواسب والأسطح الترابية، الاكتشاف الذي يدل على وجود عدد هائل من «الجنود» الطبيعية، التي تحارب التلوث وتستهلك أكسيد النيتروس.
يقول لوفلير «قبل أن نجري هذه الدراسة، كان هناك عدم تناسق في التنبؤات في ما يخص انبعاثات أكسيد النيتروس، استنادا إلى العمليات المعروفة التي تسهم في استهلاك هذا الغاز». مضيفا «مما يشير إلى وجود عدد لا يحصى من مخفضات أكسيد النيتروس»، وحسب الباحث فإن اكتشاف هذا التنوع في الكائنات المجهرية المساهمة في امتصاص النيتروجين الضار بالبيئة، سيساعد العلماء على فهم آلية التحكم البيئي في انبعاث أكسيد النيتروس، وكذا فهم دورة الغازات الدفيئة.
وفي ذلك يقول لوفلير «هذا سيسهم في فهم والتنبؤ بشكل أكثر وضوحا بالتلف الذي يلحق بطبقة الأوزون، وكذا ظاهرة الاحتباس الحراري»، إلا أن الباحثين في جامعة تينسي يؤكدون أن نتائج دراستهم ليست كافية، لفهم ظاهرة الاحتباس التي تسببها انبعاثات النيتروجين.