يلفت أنظار الرجال والنساء من مختلف الأعمـار والثقافات

«معطف الخندق» بين المحاربين والجميلات

صورة

على الرغم من مظهره الرجولي، وخطوطه القاسية، وتفاصيله القوية، إلا أن معطف المطر «ترنتش كوت»، أو ما يعرف حرفياً باسم «معطف الخندق»، كان ولا يزال أحد أشهر القطع الأساسية في خزانة الرجال والنساء، خصوصاً في الدول ذات الطقس الشديد البرودة، وكحال الفستان الأسود، لا يمكن أن تكتمل خزانة امرأة من دون أن تحظى بمعطف مطر مثالي، بطلته الأنيقة.

تُعد الحرب العالمية الأولى واحدة من الأحداث التاريخية التي غيرت كثيراً ميول الناس، وكان الـ «ترنتش كوت» واحداً من أبرز الصرعات التي أعادتها الحرب الى مشهد الموضة، فتحول من معطف عملي يفي بحاجة الضباط البريطانيين في الأجواء الماطرة والمتقلبة، إلى موضة رائجة اعتمدها الرجال، واقترضتها النساء من خزائن أزواجهن لاحقاً، ولم تسلم من ارتدائها الشخصيات الخيالية في القصص المصورة، أو مشاهير هوليوود، فكانت هذه القطعة العملية محل تعديلات وتطورات عدة لم تخرج عن الخطوط الرجولية الرئيسة لها، ولكن بكثير من التنوع والمرونة.

لا يمكن وصف الـ«ترنتش كوت» سوى بمعطف مطر يعتمد على قماش يصعب إتلافه ومقاوم للماء، ويقي من الرياح، وتتوافر النسخة الكلاسيكية منه بأطوال متعددة، من الكاحل وحتى ما فوق الركبة، وطبقة صدر مزدوجة، كما تحتوي النسخة الكلاسيكية منه على أحزمة حول الرسغ و‬10 أزرار أمامية وجيوب، وقطعة أمامية على الصدر تقي من الرياح، بالإضافة إلى أحزمة على الأكتاف، وحزام على الخصر، وحلقة معدنية تشبه حرف «دي» الانجليزي، التي اشتهرت بأنها قطعة مصممة لحمل الألغام اليدوية، إلا أنها في الواقع كانت لتثبيت الخرائط والسكاكين والأدوات اليدوية التي يحتاج اليها الضباط، بينما يعد اللون الكاكي هو اللون الأصلي والكلاسيكي لهذا المعطف.

تاريخ

قد يستمر الجدل حول المصمم الأول لـ«الترنتش» إلا أن الأمر لا يخرج عن اسمين فقط: بربري، وأكواسكوتم، بادعاءات للأخيرة تعود لخمسينات القرن الـ‬19، بينما قدم توماس بربري، مخترع قماش الـ«غاباردين» تصاميم لهذا المعطف للجنود، إلى مكتب حرب المملكة المتحدة في عام ‬1901، وبصرف النظر عن مخترع هذا المعطف، إلا أن الأخير كان ولا يزال أشهر من قدم وطور وحول هذا المعطف إلى قطعة تلفت أنظار الرجال والنساء من مختلف الأعمـار والثقافات.

كانت تلك القطعة الأنيقة متاحة فقط للجيش البريطاني، وتحديداً للشراء من قبل ضباط الدرجة الأولى فقط، ولم يسمح للجنود من الرتبات الأخرى بارتدائه، بينما أخذ هذا المعطف اسم «ترنتش كوت» أو «معطف الخندق» على يد ضباط في المعارك خلال وجودهم في خنادق الحرب، إلا أن المعطف الأنيق رفض أن يبقى متخفياً في الخنادق لفترة طويلة واستمر الجنود العائدون إلى حياتهم المدنية بارتدائه ليتحول تدريجياً إلى موضة للجميع، مال إلى اقتنائها أولاً رجال الأعمال.

استمر الجنود البريطانيون في اعتماد الـ «ترنتش» خلال الحرب العالمية الثانية، كما طورت دول أخرى سترات مستوحاة منه، خصوصاً في الولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي، والدول الأوروبية مثل فرنسا، وألمانيا، وهولندا، وبولندا، وغالباً ما يمكن رؤية هذه القطعة في الصور القديمة للجنود في مناطق الحرب في نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات من القرن الماضي.

أبطال

ربما يحظى الضباط بكم من الإعجاب والتقدير ممن حولهم ومن المجتمع، خصوصاً في فترات الحروب، إلا أن الـ«ترنتش» لم يحظ بالشهرة الكبيرة والإقبال الشديد على اقتنائه لاحقاً، لمجرد ذلك، بل كان للشخصيات الخيالية في القصص المصورة وفي أفلام هوليوود دور كبير في رسم تلك الهالة الغامضة والأنيقة لهذه القطعة العملية، مثل شخصية كولومبو، وديك تريسي، والأشهر شخصية ريك بلين في فيلم كازابلانكا التي مثلها همفري بوغارت، ليتحول كل رجل في ذلك الوقت بمعطفه الـ «ترنتش» إلى همفري بوغارت، بينما تحولت كل امرأة إلى أودري هيبورن في معطفها الأنيق في فيلم «بريكفاست آت تيفانيز»، بالإضافة إلى شخصيات مشهورة مثل الراحلة الأميرة ديانا، وجاكلين كينيدي، وغيرهما.

بحسب مقال في جريدة نيويورك تايمز من عام ‬1917، كان الطلب على اقتناء معطف الـ«ترنتش» عالياً، ليس فقط بين الجنود، ولكن أيضاً بين المدنيين، حيث تميز تصميمه الأنيق والعملي بكونه مناسباً لرجال الأعمال، والنساء على حد سواء، وفي كتابها «العشر الكلاسيكية: القصة الحقيقية للفستان الأسود القصير وأشهر تسع صرعات موضة أخرى»، تشرح نانسي ماكدونيل سميث الجانب الثقافي لصرعة الـ«ترنتش» قائلة «مع هذا المعطف ليس هناك خوف من أن يبدو المرء مبتذلاً، فهي قطعة تعني العمل»، مشيرة إلى أن هذه الطبيعة الخاصة بهذا المعطف تجعله لافتاً ومطلوباً لهذه الدرجة و«يمكن للمرء أن يبدو عمليا، وأنيقا، وحازما في هذا المعطف، ولكن، لا يمكن التنبؤ بتاتاً بما تخفيه هذه القطعة أسفلها».

وعلى الرغم من أن كل حقبة عدلت كثيراً من التفاصيل على معطف الـ«ترنتش»، إذ أضافت كل مرحة لمستها الخاصة واحتياجاتها على هذه القطعة، بتغيير للخامات المستخدمة، الألوان، والقصات، إلا أنها لا تزال تحمل المواصفات الرئيسة نفسها والخطوط الواضحة التي لم تتأثر بمرور الوقت، ولا تزال تحمل جذورها التاريخية البريطانية ذاتها.

مواصفات

لكل «ترنتش» ميزاته ومواصفاته الخاصة، ولكل شخص القطعة المناسبة، وتقول منسقة الأزياء والتجميل مروج السعدي، إن المواصفات التي تنطبق على الـ«ترنتش» هي في الغالب ذات المواصفات التي تنطبق على بقية المعاطف والسترات، مشيرة إلى أن هناك معايير يجب أخذها في الاعتبار عند اختيار المعطف المناسب.

وقالت «على النساء القصيرات، والرجال أيضاً، تفادي ارتداء المعاطف الطويلة التي تصل أسفل الركبة، ما يعزز التركيز على الطول، الأمر الذي يجب أن يتفاداه قصار القامة، ويجب أن يكون طول المعطف أقصر من الركبة بنحو شبرين»، لافتة الى أنه يفترض على قصار القامة والقصيرات أن يتفادوا ارتداء الملابس الطويلة الواسعة أسفل المعطف «بل يجب دائماً اختيار السراويل الضيقة جداً بالمقابل».

وأضافت السعدي أن «على الشخص الممتلئ أن يتفادى قصات المعاطف المستقيمة، بل يفترض بها أن تكون مخصرة نوعاً ما تحدد القليل من تقاسيم الخصر، كما يفترض أن يتوافر حزام في المعطف لتعزيز منطقة الخصر، كما أنصح بتفادي الألوان الفاتحة أو الصارخة، والميل إلى الألوان الداكنة في المقابل».

في المقابل، يفترض على الأشخاص الطوال القامة تفادي المعاطف القصيرة، حسب السعدي التي بينت أنه «يفترض بالطوال اختيار المعاطف التي تصل إلى الركبة، حيث تظهر المعاطف القصيرة طول الساق، ما يجعل أجزاء الجسم تبدو غير متوازنة، كما يفترض أن يكون الخصر مرتبا، والأكمام بقياس صحيح، ليس قصيراً يظهر ما تحته، أو طويلاً يجعل شكل الفرد يبدو طفولياً، كما يمكن للأحذية طويلة العنق (البوت) أن تبدو ذات شكل مناسب مع المعاطف مثل تلك المعروفة باسم (ويلينغتون)».

واختتمت السعدي بأن «النساء ذوات منطقة الصدر الكبيرة، يجب عليهن تفادي إغلاق المعطف بالكامل، وارتداء بلوزات مغلقة برقبة عالية، وينبغي عليهن أن يقللن من المناطق المغلقة عند منطقة الصدر ويمكن تزيين المنطقة بمنديل حريري ملون لتعزيز الأناقة».

تويتر