نظام علمي جديد لتصنيف الحالات والمواد
تقول لنا النظريات الفيزيائية التقليدية القائمة، إن المادة لا تكون إلا في واحدة من ثلاث حالات، فهي إما صلبة وإما سائلة وإما غازية، لكن باحثين صينين توصلوا الى نظام علمي جديد يقوم على فكرة التناسق والتناظر، يمكنه التمييز بين ما يصل الى 500 حالة ومادة.
وقال الباحث الصيني كسياو غانغ وين رئيس الفريق الذي قام بالدراسة في معهد بيرميتر في بكين، أن المادة وهي في حالة التكثيف من الغاز الى البخار تكون في افضل الاوضاع لدراسة تشريحها وخواصها وتركيبها الأساسي ومواصفاتها الجوهرية، وأصبحت دراستها أكثر دقة وسهولة مع استخدام نظام التصنيف العلمي الجديد الذي سماه الباحثون «سيميتري»، ويقوم على فكرة تناظر الأجزاء والذرات وتناسق المكونات. وحتى يمكننا فهم هذا النظام العلمي الجديد يمكنك أن تتخيل أن كمية قليلة من الماء السائل تطير في سفينة صغيرة من حولك، فلا شك في أن ذرات الماء وقطراته ستتناثر وتدور في كل اتجاه من حولك الى أعلى والى أسفل وفي الجهات الاربع، وقد سميت هذه الحركة تكنيكياً «سيميتري»، فالماء في حالته السائلة وفي حالته كثلج على شكل حبيبات الكريستال يعد متناظراً أو «سيميتري» لكن بدرجة أقل. وإذا ما قمت بتجربة تطيير كمية من حبيبات الثلج الكريستالية فإنك ستشاهد صفا هندسيا منتظما ورائعا يمر بشكل مدروس ومنتظم يشبه طوابق إحدى ناطحات السحاب، وستتوارد على ذهنك افكار مختلفة تفتح أبوابا وآفاقا جديدة، فكل صف من صفوف حبيبات الثلج سيبدو شديد التناظر والتناسق، ومكوناته تشبه بعضها بعضاً على نحو مذهل.
ويقول علماء الفيزياء ان التناظر العالي للماء السائل قابل للانكسار والتلف وفقدان التناسق في تصنيف الحالات والمراحل، وهذا ما يسميه العلماء «نموذج لانداو»، الذي يصنف مراحل كل مادة وحالاتها من خلال خريطة رسم بياني. وتقوم نظرية لانداو على إرشاد العلماء نحو اكتشاف مراحل وحالات جديدة للمادة، وتساعدهم في دراسة سلوكيات وحركة المادة أثناء مراحل تطورها المختلفة. وبمساعدة هذه النظرية فقد ظل علماء الفيزياء فترة طويلة يعتقدون أنه يمكن توصيف مراحل المادة وتصنيفها حسب نظام «سيميتري» أو التناظر والتناسق. وفي ثمانينات القرن الماضي تمكن العالم الصيني غانغ وين من معهد بيرميتر وفريقه العلمي من تحقيق نتائج علمية جيدة، من خلال دراستهم لمواد مختلفة في حالة التكثيف من الغاز الى البخار، وتصنيف مراحل مختلفة باستخدام نظام سيميتري، واكتشفوا مراحل جديدة لهذه المواد لم يقم لانداو بشرحها او تصنيفها، وتوصلوا الى نظم كمية جديدة تساعد في زيادة دقة نظام سيميتري.
وأشار وين إلى ان ما توصل اليه مع زملائه يتجاوز أفكار ونموذج لانداو القائمة على أفكار فيزيائية تقليدية، وان النظام الطوبولوجي الذي نجحوا في بلورته أكثر دقة في فهم المراحل الكمية للمادة وعملية تحول الحركة وتغيرها بين هذه المراحل. فحينما يتشابك جزيئان أو يترابطان فإن المقاييس المعتمدة على أحدهما لابد أن تؤثر في الآخر، بصرف النظر عن المسافة التي تفصل بينهما، فإذا كان مطلوباً منك ان تقوم بتوصيف مدينة طبقاً للنظام الطوبولجي من قمرة القيادة في سفينتك الخيالية الصغيرة التي تصورناها، فإن هذا الوصف لن يكون على أساس سيميتري والتناظر، وإنما ستصف اشياء ومكونات غير مرئية، مثل شبكة الهاتف التي تربط بين أحياء المدينة وأخرى بناء على سيل متدفق من المعلومات والبيانات المتوافرة لديك، وهذا ما قام وين وفريقه بتطويره بدقة ونجاح إلى حد كبير، لكن مازالت هناك بعض المراحل تحتاج الى توضيح وتصنيف. وستكون لنظام سيميتري والتناظر فوائد كبيرة وجليلة في المستقبل القريب في صناعة الالكترونيات ودقائقها ومكوناتها. ومن خلال استخدامهم للرياضيات الحديثة ولاسيما نظرية «كهومولوجي»، تمكن هؤلاء الباحثون من دراسة وتصنيف المراحل التي كانت غامضة على نظرية لانداو ونموذجه، ما سيساعد في تعزيز قدرتنا على تصميم حالات ومراحل جديدة للمادة يمكن الاستفادة منها في صناعات الحاسوب، وسيكون خطوة مهمة نحو الوصول الى تصنيف وتعريف كامل لجميع مراحل المادة على أسس جديدة بعيدا عن التصنيفات الفيزيائية التقليدية.