الكشف المبكر يغير حياة المصاب في المستقبل. غيتي

تقدّم في الكشف المبكّر عن الأمراض عند الولادة

غيرت التقنيات الطبية الحديثة مسار ملايين الناس، وأصبح بالإمكان معرفة احتمالات الإصابة بالعديد من الأمراض من خلال سحب عينات دم في الأسبوع الأول من عمر الإنسان. ومن خلال اختبار «غوثري»، وهو اسم العالم الأميركي الذي أطلق التقنية، فإنه بالإمكان رصد أربعة أمراض نادرة، قد تكون خطرة على حياة الإنسان عند البلوغ. ودخل هذا النوع من التحليلات الاحترازية حيز التطبيق قبل ‬40 عاماً في فرنسا. وتستهدف الاختبارات اليوم أكثر من ‬50 مرضاً يحاول الأطباء الكشف عنها قبل أن تفتك بالإنسان. وفي هذه الأثناء يسعى العلماء في شتى أنحاء العالم لتطوير الكشف المبكر عن الأمراض، إلا أن هذه الممارسة تثير «تساؤلات أخلاقية ومهنية»، حسب الباحث في الجمعية الفرنسية للوقاية من إعاقة الأطفال، البروفيسور ميشيل روسيه. وقد استفاد نحو ‬30 مليون طفل من برنامج الكشف المبكر في فرنسا، خلال العقود الأربعة الماضية.

الأمراض الوراثية

الأمراض الوراثية كثيرة ويقدر عددها بالآلاف، وتركز كل دولة على مجموعة معينة من الأمراض، وهي الأمراض التي تنتشر داخل أفراد مجتمعها، مثل الثلاسيميا، وهو مرض وراثي دموي أصله من منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، ينتج هذا المرض عن خلل الجينات ويسبب فقر الدم المزمن. وكلما بعدت درجة القرابة بين الزوجين قلت نسبة التشابه في المورثات التي تنتقل من جيل إلى آخر، إذ إن احتمال اجتماع حاملي الجين المعتل يكون عالياً بين الأقارب، ويكون منخفضاً بين غير الأقارب.

وفي هذه الفترة تم الكشف على أمراض في نحو ‬18 ألف طفل، ومن بين الأطفال الذين اكتشف عندهم مرض يسبب التخلف العقلي عند البلوغ، وكان ذلك قبل أكثر من ‬20 عاماً، ماري بلنسا ديفو، التي أكملت دراستها الجامعية قبل سنوات، وتقول «لقد لعب الكشف المبكر دورا حاسما في حياتي»، ولولا اكتشاف مرض نادر يسمى «فينايلكيتونوريا»، بعد ولادتها مباشرة لكان من الصعب لاحقاً التعامل معه. وتبدو ماري اليوم في صحة جيدة وهي متزوجة ولديها أطفال. والمرض خلل وراثي في عملية أيض أو «الاستقلاب»، وينتج بسبب نقص في إنزيم مسؤول عن تحويل «الفينيل ألانين» إلى «تايروسين» المهم لنمو المخ، ما يؤدي إلى تراكم الأول في سوائل الجسم، وتالياً إلى التسبّب في درجات مختلفة من التخلف العقلي. والمرض يكون غالباً بسبب زواج الأقارب، فإذا كان أحد الآباء أو كلاهما حاملاً للجين الوراثي المسبب للمرض، ستكون نسبة الإصابة في المرض هي ‬25٪، أي واحد من كل أربعة أطفال. ويصيب هذا المرض طفلاً من كل ‬16 ألف مولود جديد في فرنسا، وبات الكشف ضمن برنامج وطني، ويقول أخصائي طب الأطفال في المستشفى الجامعي بمدينة ديجون، البروفيسور فرديريك هوي، «هناك معايير صارمة لضم مرض معين إلى قائمة الفحص الإجباري، ويجب أن يكون الكشف عنها معتمداً طبياً».

وترفض بعض العائلات إخضاع أطفالها للكشف، ولا تجد في الفحص أهمية مستقبلية، الأمر الذي يحذر منه هوي، قائلاً «يجب على العائلات تحمل مسؤولياتها إذا اكتشفت مرضاً معيناً عند أبنائها لاحقاً». وأطلقت وزارة الصحة أخيراً تقنية «مطياف الكتلة» للكشف عن ‬50 مرضاً بشكل مسبق، من خلال قطرة واحدة من الدم. وبدأت بلدان أوروبية، مثل النمسا، استخدام الجهاز المتطور وتمكنت من تتبع ‬29 خللاً وراثياً في المواليد الجدد، الأمر الذي يسهم في علاجها لاحقاً.

الأكثر مشاركة