أمهات ذوي الإعاقات نماذج للاحتفاء والفخر

«اليوم العالمي للمرأة».. دفاع عن الأمــل

أم الطفل المعاق تبذل جهوداً استثنائية للحفاظ على أسرتها. تصوير: تشاندرا بالان

لا تقتصر نماذج إنجازات المرأة التي تحققت في مجالات مختلفة، والتي يحتفى بها عالمياً منذ ‬36 عاماً في الثامن من مارس تحت شعار «اليوم العالمي للمرأة»، على وجوه من القيادات النسائية البارزة التي تسهم بدور فعال في الارتقاء بمجتمعاتها جنباً إلى جنب الرجل، بل تتعداه لتشمل مجموعة واسعة من أمهات ذوي الاعاقات، اللاتي يحققن بنضالهن اليومي مثقل الكاهل، إنجازاتٍ جمة يصعب وصفها، إنهن يفعلن المستحيل دفاعاً عن الأمل.

تلعب أمهات ذوي الإعاقات دوراً كبيراً أو جباراً، إن صح التعبير، في تربية ورعاية أبنائهن، وتقديم الاهتمام والعناية الكافية لهم، وفقاً للحالة الصحية واحتياجاتها، الأمر الذي لا يقل أهمية عن دور نظرائهن من أمهات الأطفال الأسوياء، بل قد يضاعفه جهداً وتكلفة. وتقف تجارب عدة لأمهات ذوي الإعاقات شاهداً على تلك الإنجازات التي حققنها أمام وخلف الكواليس، والتي تقدم نماذج حية لشتى معاني العزيمة والأمل والإصرار بغدٍ أفضل ومستقبل أزهى، تتحدى المستحيل بشعار «لا مستحيل إلا المستحيل نفسه».

نماذج حية

«اليوم العالمي للمرأة» رمز النضال

يُحتفل بإنجازات المرأة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عالمياً في «اليوم العالمي للمرأة»، أو «اليوم الدولي للمرأة»، في الثامن من شهر مارس من كل عام.

وجاء الاحتفال بهذه المناسبة إثر عقد أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس عام ‬1945. و يرجح باحثون أن «اليوم العالمي للمرأة» كان على إثر بعض الإضرابات النسائية التي حدثت في الولايات المتحدة، إلا أن تخصيص يوم الثامن من شهر مارس يوماً عالمياً للمرأة جاء عام ‬1977، بعد أن وافقت منظمة الأمم المتحدة على تبني تلك المناسبة، عندما أصدرت المنظمة الدولية قراراً يدعو دول العالم إلى اعتماد أي يوم من السنة تختاره للاحتفال بالمرأة، فقررت غالبية الدول اختيار الثامن من مارس يوماً لذلك، وعليه تحول هذا اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في تظاهرات للمطالبة بحقوقهن.

من هذه النماذج الحية نماذج الأمل والإصرار، نائب رئيس اللجنة الطبية لجمعية الإمارات لمتلازمة داون، أخصائية طب الأطفال، د.منال رفيق جعرور، التي نجحت بالأمل والإصرار في تربية ابنها محمود (‬14 عاماً) من ذوي «متلازمة داون»، حاصدةً بذلك الجوائز، مثل جائزة «الأم المثالية» من رواق عوشة بنت الحسين، وجائزتي الأميرة هيا بنت الحسين للتربية الخاصة فئة «الأسرة المثالية» و«عضو مجلس الإدارة المتميز».

وقالت جعرور لـ«الإمارات اليوم»: «علمت أن ابني من ذوي متلازمة داون بعد الولادة، وعلى الرغم من حزني، إلا أنني آثرت الإيمان بالقضاء والقدر، والصبر على البلاء، وعملت جاهدةً على منحه شتى حقوقه في الحياة أسوة بإخوانه، وذلك عن طريق البحث عن أفضل السبل لتحقيق ذلك».

وعلقت «لم يكن الأمر بالسهولة واليسر الكافيين، لكن بالجهد والاجتهاد نجحت في تحقيقه، لاسيما بعد أن أدركت حالته الصحية جيداً، وتوصلت إلى الوسائل التي تعينني على تقديم الخدمات اللازمة له، ومنها العلاج المبكر الطبيعي والوظيفي والمتعلق بالنطق، والجانب التربوي، ولقد لعب تخصصي في طب الأطفال دوراً كبيراً في ذلك». وأضافت جعرور «صعوبة التوصل إلى الطرق الكفيلة بعلاج وتربية محمود في بادئ الأمر وغياب وسائل المساندة والدعم، دفعاني إلى العمل على تأسيس مجموعة مساندة، بالتعاون مع أمهات ذوي «متلازمة داون»، تحت عنوان «مجموعة الإمارات لمساندة متلازمة داون»، التي تحولت لاحقاً إلى «جمعية الإمارات لمتلازمة داون»، التي تأسست عام ‬2005، تحت رعاية حرم سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، وزير شؤون الرئاسة، سمو الشيخة منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة مؤسسة دبي للمرأة».

وأكدت جعرور أن «التدخل المبكر في حالة محمود لعب دوراً كبيراً في حالته، فإلى جانب إكماله دراسته في إحدى المدارس النظامية الحكومية في الدولة، يمارس مجموعة واسعة من الهوايات على يد متخصصين مثل السباحة وركوب الخيل والقوارب الشراعية». وشددت على أن «كل أم لذوي الإعاقات مهما كانت حالتهم الصحية، هي الشخص الأقدر والأجدر بالأخذ بيده والعمل على علاجه ودعمه، حيث إنه جزء لا يتجزأ منها تشعر به وتحس بألمه أسوة بفرحه».

دور جوهري

قالت إحدى مؤسسات جمعية الإمارات للتوحد، فاطمة راشد، «تلعب أمهات ذوي الإعاقات على اختلاف حالاتهم الصحية والعقلانية دوراً في غاية الصعوبة والأهمية ولا يقل أهمية عن دور أمهات الأسوياء، بل يتعداه جهداً وتكلفة».

وبينت «على الرغم من أن لدي ابناً واحداً مصاباً بالتوحد (‬13 عاما)، من أصل خمسة أولاد وبنات، إلا أنني تكبدت مصاعب نفسية وصحية ومالية كبيرة في سبيل تشخيص حالته وتوفير العلاج والتعليم المناسبين لحالته، ما يتطلب جهوداً كبيرة يصعب على البعض تحملها، لاسيما أن التعامل مع الحالة بحد ذاته أمر في غاية الصعوبة، فطفل التوحد لا يعي غالباً ما يدور حوله، فتجده في عالمه الخاص، لا يستجيب لنداء أحد، يلعب وحيداً، ويجلس في عزلة وحيداً بعيداً عن الأطفال الذين يماثلونه في العمر».

وأضافت «ما دفعني وأمهات إلى تأسيس أول جمعية لرعاية المصابين بهذا المرض في الدولة، لتعليم الأمهات طريقة التعامل مع أولادهن المتوحدين، ومساعدتهن على استيعاب الصدمة الأولى لدى علمهن بالموضوع، سبقتها مبادرة (طموح) للتواصـل عن طريق الهواتـف الذكية، بهدف خدمة أبنائهـن والتعـلم من تجـارب بعضـهن».

منوهة بأن «كل هذا الجهد والدأب لتحقيقه ينبع من رغبتي وزميلاتي من أمهات ذوي الإعاقات في مد يد العون لأطفالنا، والعمل على توفير السبل التي تضمن لهم الحياة الكريمة، اسوة بنظرائهم من الأطفال الأسوياء، ورؤيتينا أبناءنا وهم يكبرون أمام أعيننا بسلام هي أكبر إنجاز نحققه».

تويتر