بحيرة كومو.. طبيعة ساحرة وفيلات فــاخرة

تُعد إيطاليا من البلدان الأوروبية التي تستقطب أعداداً كبيرة من السياح من جميع أنحاء العالم سنوياً؛ حيث تزخر بالعديد من المناظر الطبيعية الخلابة، مثل بحيرة كومو، التي تبلغ مساحتها ‬146 كيلومتراً مربعاً، وتقع بالقرب من مدينة ميلانو والحدود السويسرية. وتمثل هذه البحيرة صورة رائعة تجمع ما بين جمال الطبيعة الجبلية الشاهقة وروعة نباتات البحر المتوسط مع فخامة الفيلات العريقة والأنهار المتدفقة الرقراقة.

وتمتاز بحيرة كومو، التي تعتبر ثالث أكبر بحيرة في إيطاليا، بطبيعة ساحرة، فيحيط بها من الشمال العديد من القمم الجبلية المغطاة بالثلوج، التي يزيد ارتفاعها على ‬2000 متر، فيشعر السائح كأنه في منطقة جبلية شاهقة الارتفاع، ويتبدل المشهد في منتصف البحيرة، حيث تظهر المناظر البديعة للطبيعة المنبسطة عن مدينة بيلاجيو.

روائع فنية

على ضفاف بحيرة كومو قام مجموعة من النبلاء والتجار الأثرياء عبر التاريخ ببناء فيلات فاخرة وسط حدائق زاخرة بمختلف أنواع نباتات البحر المتوسط. ولحسن الحظ كان هؤلاء النبلاء والأثرياء يتمتعون بحس وذوق فني راقٍ للغاية إلى جانب امتلاكهم الأموال الطائلة، لذلك ظهر على ضفاف بحيرة كومو العديد من روائع الفن وأيقونات الهندسة المعمارية.

وتعتبر القوارب أنسب وسيلة للاستمتاع بالمناظر الخلابة في هذه البحيرة ذات الطبيعة الهادئة، كما سينعم السياح الذين يجوبون بحيرة كومو انطلاقاً من مدينة بيلاجيو، التي يُطلق عليها «لؤلؤة بحيرة كومو»، بإطلالة رائعة ومناظر طبيعية لا مثيل لها.

وفي ذروة الموسم السياحي تزدحم مدينة بيلاجيو بالزوار من جميع أنحاء العالم، حيث تقع هذه المدينة في أقصى طرف شبه الجزيرة، التي تفصل بحيرة كومو في نطاقها الجنوبي إلى جزأين، لذلك تظهر بحيرة كومو على شكل حرف Y مقلوب.

ولقد حظيت بحيرة كومو بالفعل بشهرة واسعة منذ زمن الرومان، إذ أشاد الشاعر فيرجيل الشهير بجمال وروعة هذه البحيرة، كما قام الفيلسوف غايوس بلينيوس، الشهير باسم بليني الأصغر، والذي كان يُعد أحد أثرياء العائلة الأرستقراطية بمدينة كومو، ببناء فيلا فخمة في هذا المكان.

ويقع النصب التذكاري الخاص ببليني الأصغر على ربوة مرتفعة في حديقة فيلا سربيلوني، وتخضع كل هذه الممتلكات حالياً لإدارة مؤسسة روكفلر، ويتم استخدامها مركزاً عالمياً للاجتماعات، أما الحدائق فهي مفتوحة أمام الجمهور، وتتيح للزائر فرصة الاستمتاع بإطلالة عامة على مدينة بيلاجيو. وعلى ضفاف البحيرة في أقصى الأمام يقف فندق غراند أوتيل فيلا سربيلوني في شموخ، فيحتل موقعه في مبنى أثري على شكل مربع، وتظهر عليه سمات الفخامة والرقي من الزمن القديم.

أجواء القرون الوسطى

مَن يتجول وسط مدينة بيلاجيو، التي يفوح منها عبق التاريخ، وتنتشر فيها أجواء القرون الوسطى من حيث كثرة الحارات والأزقة الضيقة المتعرجة، فسيحالفه الحظ في اكتشاف لوحة تذكارية تخلد ذكرى إقامة فرانز ليست؛ فيصف الموسيقار العالمي جمال الطبيعة في هذا المكان بقوله «عندما أرغب في كتابة قصة عاشقين يجمعها حب جارف، فلن اختار سوى ضفاف بحيرة كومو، لتكون مسرحاً لأحداث هذه القصة الحالمة، لأنني لا أعرف مكانا آخر يزخر بمثل هذه المناظر الطبيعية الخلابة».

وقد عاش فرانز قصة حب عاصفِّة مع الكونتيسة ماري داغولت، التي كانت تتمتع بجمال آخاذ وثراء كبير وذكاء باهر، لكنها كانت متزوجة. وهو ما دفع العاشقين للهروب من باريس خلال صيف عام ‬1837 والإقامة في مدينة بيلاجيو لمدة ثلاثة أشهر، وذلك هرباً من القيل والقال الذي نجم عن هذه العلاقة. وفي يوم ‬25 ديسمبر رُزق الحبيبان بالطفلة كوزيما التي أصبحت فيما بعد زوجة للموسيقار ريتشارد فاغنر الشهير.

وهناك طريق يصطف على جانبيه مجموعة من الأشجار، ويؤدي إلى فيلا ميلزي، التي تفتح أبواب حدائقها أمام الجمهور، إضافة إلى المتحف الصغير في مشتل أشجار البرتقال، الذي يعرض مجموعة من اللوحات الجدارية وبعض المكتشفات الأثرية.

وتم تشييد فيلا ميلزي خلال عام ‬1808 على يد فرانسيسكو ميلزي دي إريل، إذ إنها كانت المكان المفضل لإقامة نابليون على ضفاف بحيرة كومو. أما الكونت سوماريفا، العدو اللدود لميلزي، فقد وجد نفسه مضطراً لإعادة تصميم وبناء فيلا كارلوتا على الضفة المقابلة من بحيرة كومو عند منطقة تريميزو، التي ظهرت بمظهر أكثر جمالاً وفخامة. ولم تكن هذه المهمة سهلة على الإطلاق، بسبب تشييد هذه الفيلا على منطقة منحدرة.

ويصف أحد الأفراد العاملين بالمقهى جمال بحيرة كومو للسياح بقوله «تكشف هذه البحيرة عن أجمل مناظرها في منطقة لينو»، كما أنه ينصح السياح بالذهاب في جولة بالقارب إلى فيلا ديل بالبيانيلو، إذ تقبع هذه الفيلا فوق ربوة مرتفعة تنتشر بها الأشجار، كما تنعكس صورة هذه الفيلا الرائعة فوق صفحة الماء الصافية.

وقد قام الكردينال دوريني في آواخر القرن الثامن عشر الميلادي بتشييد هذه الفيلا المُصممة على هيئة مدرجات مختلفة على الضفة المنحدرة للبحيرة لتكون بمثابة دير للفرنسيسكان. وقد ظهرت هذه الفيلا في كواليس فيلم «حرب النجوم - الجزء الثاني» للمخرج العالمي جورج لوكاس، فضلاً عن استخدامها مكان تصوير في العديد من أفلام جيمس بوند.

إقامة المشاهير

الكثير من النجوم العالميين والمشاهير يعشقون الإقامة في محيط بحيرة كومو، فقام الممثل الشهير جورج كلوني بشراء فيلا أولاندرا، ولا يترك أية مناسبة إلا ويعبر فيها عن حبه وعشقه الكبير للإقامة وسط هذه الطبيعة الساحرة.

وقد سار العديد من المشاهير على الدرب نفسه الذي سلكه جورج كـلوني.

أما بالنسبة للأشخاص الذين لا يمتلكون ملايين الدولارات لشراء فيلا على ضفاف بحيرة كومو، فيمكنهم على الأقل قضاء بعض الأيام في فيلا ديسـتي، التي تم تشييدها في عام ‬1568 لتكون المقر الصيفي للكاردينال تولومو غاليو.

وتم تحويل هذا المبنى الفخم التاريخي إلى فندق فاخر في آواخر القرن التاسع عشر، وقد استقبل هذا الفندق نصف مشاهير قلعة السينما الأميركية هوليوود، إضافة إلى قائمة طويلة من المشاهير في عالم الفن والموسيقى وتصميم الأزياء. ولايزال رؤساء الدول والحكومات حتى اليوم يُقدرون واحة الضيافة والاسترخاء التي تقع مباشرة على ضفاف بحيرة كومو مباشرة.

 

الأكثر مشاركة