موعد مع «الدب الروح».. رحلة بحرية في كندا
تقدم مقاطعة كولومبيا البريطانية، التي تقع غرب كندا، للسياح إمكانية القيام برحلات بحرية على متن القارب الشراعي «مابل ليف». وخلال هذه الرحلات البحرية الفريدة من نوعها تتبدى للسياح مناظر خلابة للطبيعة التي مازالت بكراً، كما تتاح لهم الفرصة لمشاهدة حيوانات نادرة عن كثب، أبرزها الدب الروح.
يد الطبيعة
يبحر مارفين روبنسون، الذي يعمل مرشداً سياحياً، أثناء مشاهدة الدببة، كل يوم بزورقه في الخليج الصغير، بينما تشير الساعة إلى التاسعة صباحاً على متن القارب الشراعي «مابل ليف»، الذي يشتمل على ساريتين، بهما شعار كندا «ورقة شجر القيقب». وقد ألقى القارب الشراعي مراسيه خلال الليل قبالة جزيرة غريبيل، ويحمل القارب مجموعة صغيرة من السياح المغامرين، الذين ينحدرون من مختلف أنحاء العالم، ويرتدون أحذية طويلة وطبقات متعددة من الملابس.
وتعد جزيرة غريبيل منطقة غير مأهولة بالسكان، وتزخر بالغابات والجبال والأنهار، وتمتد على مساحة كبيرة، إلا أن أعداد الكائنات الحية الموجودة بها ضئيل للغاية.
ويقول مارفين روبنسون، إن «الطبيعة لها اليد العليا هنا، بينما نحن نؤدي بعض الأدوار الثانوية فقط»، وبعد ذلك انطلق إلى حال سبيله.
ويؤدي الطريق الضيق إلى منصة مؤقتة للمراقبة، تتيح للسياح إطلالة رائعة على جذوع الأشجار المتساقطة والصخور المتناثرة، مع إمكانية الاستمتاع بنظرة أبعد لمجرى النهر، وابتسم مارفين روبنسون وأردف «يجب الاسترخاء هنا والانتظار»، ثم جلس على أحد المقاعد المريحة، التي تتخذ شكل الدب، وأضاف «قد يظهر الدب الروح في أي لحظة».
وبعد انقضاء ثلاثة أرباع الرحلة البحرية بين جزيرة فانكوفر وألاسكا، اتفق جميع الركاب على متن القارب الشراعي على أن التجارب التي تمت معايشتها أثناء الرحلة حتى الآن تعد من أروع ما يمكن تخيله، حيث يبحر الكابتن غريغ شيا والطاقم المرافق له بالقارب الشراعي «مابل ليف»، خلال العديد من المناظر الطبيعية الخلابة منذ أقل من أسبوع.
ويُطلق نشطاء حماية البيئة على هذا الساحل اسم الغابة المطيرة للدببة العملاقة، ويتكون من مضايق عميقة وجبال مغطاة بالجليد، وأعداد لا تُحصى من الجزر غير المأهولة، ويفصل المحيط الهادئ عن منطقة كوست ماونتنز.
جنة طبيعية
تشتهر هذه المنطقة بأنها آخر أكبر تجمع للدببة الضخمة في أميركا الشمالية، علاوة على أنها آخر الغابات المطيرة في القارة. وتحرص الهيئات والمنظمات الدولية على حماية هذه الجنة الطبيعية. وأوضح الكابتن غريغ شيا «نحن لا نَعد السياح برؤية الدببة». لكنه أردف أنه تمكن طوال السنوات التي قاد فيها القارب، من العثور على دببة أثناء الرحلة البحرية.
ويتمكن السياح ـ خلال هذه الرحلة البحرية ـ من رؤية العديد من أنواع الحيوانات النادرة، حيث تظهر الحيتان الحدباء يومياً أمام السياح، وفي إحدى الليالي قدم أربعة من هذه الحيوانات العملاقة عرضاً خيالياً في المياه الهادئة بخليج بسهوب. وانطلقت دلافين دال ذات اللونين الأسود والأبيض بسرعة البرق مخترقة الأمواج قبالة جزيرة جيل، كما قامت دلافين أوكرا بمطاردة أسماك الرنجة، وقامت بالضرب على الماء بواسطة زعانف الذيل، لإبعاد نسور الأسماك التي تعاني الجوع عن المنطقة.
ولكن بالطبع ينتظر جميع السياح رؤية الدببة البنية، حيث تعتبر الغابة المطيرة للدببة العملاقة هي الموطن الأصلي لهذه الدببة، ويعيش معظم هذه الحيوانات في جزيرة برنسيس رويال، وجزيرة غريبيل المجاورة.
نجم الغابة
ينتظر ركاب «مابل ليف» على منصة المراقبة ظهور الدب الأسود المعروف باسم «الدب الروح» بفارغ الصبر؛ كونه يعد نجم الغابة المطيرة دون منازع، وترجع تسمية الدب الأسود في هذه المنطقة باسم الدب الروح إلى أساطير الأمم الكندية الأولى والهنود الحمر.
ووفقاً لهذه الأساطير قام الرب بتغيير لون جلد دب من بين 10 دببة سوداء إلى اللون الأبيض كتذكير بالفترة التي غطت فيها الأنهار الجليدية اليابسة، لذا أطلق سكان المنطقة على هذا الدب اسم «الدب الروح»، وبسبب تحول جيني طرأ على الدب الأسود يتخذ لون جلد الكثير من الدببة التي تعيش في الغابة المطيرة لوناً فاتحاً.
وجاءت اللحظة التي يترقبها السياح وصاح أحد السياح قائلا «الدب الروح»، وقد ألهبت الدببة السوداء حماسة السياح وهي تصطاد أسماك السلمون، وانطلقت عدسات الكاميرات لتسجيل هذه اللحظات الفريدة. وفي تلك الأثناء انطلق دب كبير من على بُعد 70 مترا من بين الأشجار الكثيفة صوب مياه النهر الضحلة، ليصطاد إحدى أسماك السلمون التي تمكنت من الهرب منه.
وبعد ذلك تسلق هذا الدب أحد جذوع الأشجار المتساقطة ومسح الماء من جسمه بهدوء، وانقضت دقائق عدة دون حدوث شيء، لكن الدب انطلق بعد ذلك وغاص ببطنه الكبير في المياه، وظهر بعد ثوان عدة، وفي فمه سمكة سلمون ضخمة.
وبعد تناول الدب هذه الوجبة الشهية هرول بهدوء نحو ركاب القارب الشراعي «مابل ليف»، واقترب منهم لدرجة أنهم تمكنوا من رؤية حركات وتقلبات معدته الهادرة، وفي هذه اللحظة لم يَصدر عن الركاب أية حركة أو صوت، لكن هذا التوتر والضغط العصبي تحولا إلى حالة من الضحك والمرح على منصة المراقبة، وعلت وجوه السياح ابتسامة عريضة، وسادت أجواء من السعادة بمشاهدة الدب الروح عن كثب.