قمة هاف دوم.. متعة تسلّق الصخور الغــرانيتية

يزخر وادي يوسمايت بولاية كاليفورنيا الأميركية بالعديد من المناظر الطبيعية الرائعة والقباب الغرانيتية الضخمة، مثل قمة هاف دوم، التي تشبه قمة ماترهورن بسلسلة جبال الألب الأوروبية. ويتملك السياح شعور الرجل العنكبوت عند تسلق قمة هاف دوم الذي ترتفع نحو ‬2693 متراً فوق سطح البحر.

خطوة خطوة

تبدأ هذا الجولة المثيرة من الرحلة بارتداء القفازات والانطلاق خطوة خطوة على الصخور الملساء. وفي تلك الأثناء تتشبث اليدان بكل قوة في الأحبال الفولاذية. ويوجد لوح خشبي رفيع بشكل مستعرض بين الركائز على مسافة ثلاثة أو أربعة أمتار، ويتيح هذا المرتكز للسياح الاسترخاء لبعض الوقت، وتجاوز المتسلقين الذين يسيرون بسرعة أبطأ، ومن يجرؤ من السياح، يمكنه إلقاء نظرة إلى أسفل. وينتظر السياح بعد هذا الصعود المثير على الكابلات المشدودة والذي يستغرق نصف ساعة، مشهد في غاية الروعة والجمال، حيث يبدو العالم تحت أقدام الجائلين، ومن هذا المكان يبدو وادي يوسمايت على مسافة تزيد على ‬1400 متر.

وتوازي مساحة قمة هاف دوم مساحة ملاعب كرة قدم عدة، ويتدافع أصحاب الجرأة والشجاعة عند الحافة البارزة التي تمثل الصورة التقليدية لقمة هاف دوم، ويقول الجائل الألماني ماكس بوك «إنها تستحق كل هذا العناء».

وفي واقع الأمر فإن الصعود إلى القمة يُمثل نصف العناء فقط، وتؤكد مرشدة التجول كاري كاب على ذلك بقولها «طريق العودة صعب للغاية. هناك الكثير من الجائلين يعودون أدراجهم على الأحبال الفولاذية ويسلكون طريق العودة الذي يمتد نحو ‬13 كيلومتراً. ويصلون إلى وادي يوسمايت مع حلول الظلام، حيث يتوافر العديد من متاجر بيع الهدايا التذكارية، مثل الأكواب والقمصان المكتوب عليها «تمكنت من الصعود إلى القمة».

ولا يتمكن السياح من رؤية أي شيء على الإطلاق، عندما يتوجهون لتسلق هذه القبة الغرانيتية الشاهقة في نحو الساعة السادسة صباحاً، ويعتمد أغلب السياح على كشافات يدوية، كي يتلمسوا طريقهم قبل شروق الشمس. ويبدو الطريق طويلاً وشديد الانحدار، لكنه يزخر بأجواء المغامرة في نهايته، حيث يصعد السياح الجدران الغرانيتية في آخر ‬120 متراً بواسطة أحبال فولاذية.

وتنصح كاري كوب، مرشدة التجول في المحمية الطبيعية، قائلة «ينبغي أن يحافظ المرء على هدوئه، وأن يضع القدم أمام الأخرى». وتضيف المرشدة السياحية التي يبلغ عمرها ‬27 ربيعاً، أنه يمكن تسلق قمة هاف دوم انطلاقاً من نقطة البداية في وادي يوسمايت على ارتفاع ‬1230 متراً، وصولاً إلى القمة بارتفاع ‬2693 مترا والعودة مرة أخرى في أقل من خمس ساعات.

لكن الجائلين الأقل خبرة يحتاجون نحو ‬12 ساعة للقيام بهذه الجولة التي تمتد لمسافة ‬27 كيلومتراً. ويمر طريق التجول بمسارات متعرجة إلى أن يترك السياح وادي يوسمايت ورائهم بسرعة. وعلى ارتفاع ‬2000 متر فوق مستوى سطح البحر يتوقف الجائلون في وادي ليتل يوسمايت لالتقاط الأنفاس وأخذ قسط من الراحة قبل بلوغ القمة.

وبعد ذلك يقترب السياح من القمة الغرانيتية الضخمة خطوة خطوة، وقد كان هذا الجبل منيعاً لا يمكن تسلقه حتى عام ‬1875، إلى أن قام المتسلق جورج أندرسون بتركيب البراغي بحلقة في الغرانيت، ومهد بذلك طريقاً إلى القمة.

حبال فولاذية

شهد عام ‬1919 تركيب الأحبال الفولاذية التي لاتزال تُستخدم حتى الآن، وهي عبارة عن تصميم بسيط مكون من اثنين من الأحبال الفولاذية المركبة في ركائز بارتفاع الذراع تقريباً، ومثبتة في الصخر على مسافة متر واحد تقريباً. ويتم تركيب الأعمدة للمتسلقين خلال الفترة من مايو إلى أكتوبر، أما خلال فصل الشتاء فيتم غلق مسار التجول.

وتحظى قمة هاف دوم بإقبال السياح من عقود، وتعتبر من أشهر مقاصد التجول في وادي يوسمايت، وتقول المرشدة السياحية كاري كوب، «في بعض الأيام يتسلق ‬1200 سائح القمة الغرانيتية، وهو ما يؤدي غالباً إلى ظهور بعض التكدسات العادية». وقامت إدارة المحمية الطبيعية منذ ثلاث سنوات بتقييد أعداد المتسلقين إلى القمة الغرانيتية، حيث يُسمح خلال هذا الموسم بتسلق ‬300 جائل يومياً، لذلك يتعين على السياح القيام الحجز مسبقاً.

وبالإضافة إلى ذلك يتعين على السياح الحصول على تصريح لتسلق قمة هاف دوم، حيث يوجد هناك حارس عند سفح القمة الفرعية للتحقق من الأوراق. ويتسابق الجائلون لمدة ساعة أخرى على الكتل الغرانيتية للصعود إلى أعلى. ويصعب على السياح التعرف إلى الطريق المنحوت في الصخر.

وتوفر منصة الصعود إطلالة رائعة على القمم الجبلية المحيطة، وبعد ذلك تظهر العقبة الأخيرة، وهي عبارة عن مرتفع بزاوية أكثر من ‬47 درجة، وهناك يقف العشرات على هضبة صغيرة ويحدقون بأنظارهم في ذهول إلى أعلى. ويتسلق السياح هذا المرتفع مثل النمل بين اثنين من الأحبال الفولاذية حتى يصعدوا فوق القبة الغرانيتية.

الأكثر مشاركة