بحيرة «إنلي».. سمك وعنف وتاريخ
يبدأ اليوم مبكراً في بحيرة «إنلي» بميانمار، فمع بزوغ الفجر تمتزج أصوات الأسماك وهي تقفز في الماء مع أصوات الطيور نادرة الأنواع. وقبل شروق الشمس بوقت طويل يستقل الصيادون قواربهم وينطلقون بها في مياه البحيرة سعياً للرزق. وعبر أجيال عدة طور الصيادون الذين يُطلق عليهم اسم «Intha» تقنية تجديف فريدة من نوعها، حيث يقوم الصيادون «بكشكشة» التنورة الشعبية فوق الركبة ويقفون برجل واحدة على منصة خلفية بينما يلفون الرجل الأخرى حول المجداف. وبفضل هذه التقنية يحرك الصيادون قواربهم بحركات تجديف قوية بأرجلهم، وتكون أيديهم خاوية، ما يتيح لهم إلقاء شباكهم في البحر ولمها مجدداً وهي محملة بالأسماك.
وعندما يركب السياح القوارب ذات الذيل الطويل يشعرون وكأن الأرض تغوص تحت أقدامهم. وإذا جلسوا ذات مرة على أحد المقاعد المُنجدة بسترات السباحة والتمسوا الدفء في أغطيتهم في ظل برودة الصباح، فإنهم لن يتمنوا أبداً أن يكونوا مكان طيور «الفلروب» التي تسبح في مياه البحيرة. وينزعج السياح بسبب الصوت العالي الصادر عن المحرك الخارجي للقارب. واختصاراً يمكن القول إن بحيرة «إنلي» هي مكان للصيد والعنف الذي مورس في فترات زمنية مختلفة، بالإضافة إلى التاريخ الذي يفرض نفسه على المكان.
محطة بينية
معبد يقع المعبد على الضفة الأخرى من قناة «بيلو»المواجهة لقرية «ساغار»، وهو يضم تمثال بوذا مستلقٍ ويزخر بقباب بنايات العبادة البوذية المعروفة باسم «ستوبا»، التي تمتاز بالفن التخريمي، غير أن السياح نادراً ما يقصدون هذا المعبد. وتهب رياح خفيفة تخفف من قيظ فترة الظهيرة وتجعل الأجراس الموجودة في قمم بنايات الستوبا ترن. وينظر السياح في الأفق ويمتعون نظرهم برؤية جبال «شان» التي تكتسي بالخضرة ويستمتعون بالصمت الذي يخيم على هذا المكان المسحور إلى أن تنادي المرشدة السياحية مين وين ثان، السياح ليسلكوا طريق العودة الطويل. وعندما يصل القارب إلى الجزء الشمالي لبحيرة «إنلي»، يصبح الطقس لطيفاً بشكل ملحوظ. وسرعان ما يحل وقت الغسق. وبحاسة توجيه شرقية جديرة بالإعجاب يشق قائد القارب طريقه عبر الماء صوب أعمدة إنارة الفندق. وفي هذا الوقت تكون مياه البحيرة الواقعة في أحضان الجبال الشاهقة هادئة. ولا يوجد بالبحيرة سوى بعض الصيادين الذين يجدفون برجل واحدة في ضوء النهار الأخير عائدين إلى قراهم. رانغون ــ د.ب.أ فن نسج ألياف اللوتس امرأة شابة تقوم بشق السيقان الطويلة لنبات اللوتس بأنامل حساسة وتخرج الألياف الرقيقة وتتركها لتجف، كي تغزل منها في ما بعد أليافاً تُنسج منها شيلان.د.ب.أ |
تُعد بحيرة «إنلي» محطة بينية رائعة في الرحلة من المدينة الساحلية الكبيرة «رانغون» الواقعة في جنوب غرب ميانمار إلى مدينة «ماندالاي» التي تقع على بعد 700 كيلومتر شمالاً. وهنا تبدو مدينة رانغون العاصمة السابقة لدولة ميانمار، التي كانت تعرف في الماضي باسم بورما، بعيدة للغاية، تماماً مثل العاصمة الجديدة «نايبيداو» التي يتخذها المجلس العسكري الحاكم مقراً لحكم ميانمار الواقعة في جنوب شرق آسيا. وفي الغالب لا تخصص شركات السياحة أكثر من ثلاثة أيام لزيارة هذه المنطقة، وهو أمر مؤسف، لأنه لا يتاح للسياح وقت كافٍ لمشاهدة جميع المعالم السياحية خلال هذه الفترة القصيرة، حتى إن كانوا يتنقلون بالقوارب السريعة ذات الذيل الطويل. وتمتد البحيرة المحاطة بالجبال بطول 22 كيلومتراً، وذلك دون احتساب الفروع الكثيرة والروافد.
صناعة النسيج
تحرص المرشدة السياحية «مين وين ثان» على اصطحاب الأفواج السياحية التي ترافقها إلى قرية «إنباوكون» الواقعة في قلب البحيرة. وتفسر مين وين ثان، سبب حرصها على ذلك قائلة «تشتهر القرية بصناعة النسيج». ويمكن سماع صوت أنوال النسيج وهي تعمل من مسافة بعيدة. وتعلم المرشدة السياحية القلق الذي يساور الكثير من السياح الغربيين من أن تقع أموالهم في يد خاطئة، بالأحرى في يد النظام العسكري الحاكم الفاسد. لذا تُطمئن المرشدة السياح وتقول لهم «إنكم تدعمون الأسر التي تعمل هنا حينما ترغبون في شراء شيء ما».
وبينما يتجاذب شابان يابانيان أطراف الحديث مع بعض السكان المحليين العجائز بصعوبة بالغة وباستعمال قاموس وهم جالسين القرفصاء على أرضية خشبية، تبين امرأة شابة تجلس إلى جوارهم مباشرة فن نسج اللوتس، حيث تقوم بشق السيقان الطويلة لنبات اللوتس بأنامل حساسة وتخرج الألياف الرقيقة وتتركها لتجف، كي تغزل منها في ما بعد أليافاً تُنسج منها شيلان.
بحيرة موحلة
تنبض بلدة «نامبان» المطلة على الجهة الجنوبية للبحيرة بالحياة والحركة الدؤوبة، حيث ترسو مئات القوارب على ضفة البحيرة الموحلة. ومَن يأتي متأخراً للغاية، يتعين عليه أن يتسلق نصف دستة قوارب، كي يجد أرضاً صلبة تحت قدميه. وكبقية الأسواق في شرق آسيا يأسر السوق في «نامبان» ألباب السياح بازدحامه الشديد وروائحه الغريبة وألوانه المتعددة. وفي منافذ البيع الملاصقة لبعضها بعضا يبيع الفلاحون الذين يقطنون بحيرة «إنلي» الطماطم والقرنبيط والباذنجان. جدير بالذكر أن الحقول لا تقع في اليابسة، وإنما في قلب مياه البحيرة، حيث تنمو الخضراوات المزروعة على حصائر عائمة مغطاة بطبقات من الطمي ومثبتة بسيقان الخيزران في قاع البحيرة التي يبلغ عمقها نحو ثلاثة أمتار فقط. وبالكاد يمكن اعتبار بحيرة «إنلي» بمثابة جنة بيئية، غير أن الزراعة الكثيفة والسياحة المتزايدة كان لهما تأثير سلبي في المجال البيئي، حيث مازال موضوع حماية البيئة لا يُشكل أهمية كبيرة لدى سكان ميانمار. وتقع المطاعم المحلية على مسافة بعيدة من السوق بعض الشيء. وفي مطعم وارف الظلال بالقرب من المطلع المغطى إلى باغودا (معبد بوذي) «ثاركونغ» بقرية «ساغار»، يقوم طاهيان بإعداد المائدة للغداء بوضع الأواني الخزفية والأكواب الزجاجية بشكل أنيق ومتناسق.