رجل الأعشاب وجوّال الجبال والمحاضر والكاتب
العم جورج حكيم شعبي في وسط أوروبــــا
لايزال الطب التقليدي ظاهرة معيشية نشطة في أيامنا هذه، وتجاربنا الشخصية هي التي تبقيها حية بل وتغنيها، بالإضافة إلى تلك المعرفة المتراكمة لدى البشرية على مر القرون.
ولسوء الحظ طبعاً فقدت هذه المعرفة الكثير من مقومات التواتر جيلاً بعد جيل، ففي المجر مثلاً بقي أقل من 25 شخصاً ممن يتمتعون بمعرفة وافية بهذا العلم الواسع، حيث تلقوا علوم هذا التداوي من أسلافهم.
لكن من بين هؤلاء القلة، لا في المجر وحدها، بل في معظم أنحاء أوروبا الوسطى، هنالك اسم رجل واحد فقط تجاوزت شهرته ما هو أبعد بآلاف الأميال من مكان عمله الصغير في بودابست العاصمة.
إنه العم جورج الذي يلقب في منطقته برجل الأعشاب، ولقد تعلم العم جورج حب ومعرفة الأعشاب من جدته، وللحفاظ على صحته جعل استخدام الأعشاب في حياته اليومية كالخبز والماء.
العمة بوري
أمراض عصرية يؤكد العم جورج أن من أهم الخطوات التي تحمينا من كثير من الأمراض هي الانتباه لجهاز المناعة وتقويته باستمرار، وبالطبع فلدينا أعشاب ونباتات عدة تساعد على تقوية هذا الجهاز المركزي المهم لم نجد لها أسماء باللغة العربية، لكن للمنفعة والبحث نذكر أسماءها اللاتينية، وهي: Thymus serpyllum h ونوع من فصيلة النعناع يدعى tepeN كما أن خليط هذه الأعشاب مع نبات الغافث من أهم الخلطات المقوية لجهاز المناعة. لقد وصلنا إلى وقت عاد العالم كله ليهتم وبشكل خيالي بالطبيعة وبما تنتجه للحفاظ على هذه الثروة الغنية، فإن عدنا إلى الجداول والاحصاءات الرسمية نجد أن الخطر كبير على هذه الثروة، خصوصاً أن 35٪ من الشعب الألماني يرفض الدواء و30٪ من الفرنسيين كذلك، وإن بحثنا عالمياً نجد 80٪ من سكان الارض أصبحوا رافضين للأدوية الكيميائية، وهذا ما يجعل الكثير من بلدان العالم تدعم مجدداً الطب الشعبي. وأمام طيبة الحكيم العجوز العم جورج، الذي تناولنا بمعيته كوب شاي أعشاب لأوجاع الظهر، وهو يضحك من هذه الأوجاع، ويعلق بسخريته أن «التكنولوجيا والكمبيوتر والجلوس طويلاً على المكاتب أمراض عصرية لا يمكن أن تعالجها أي أعشاب». |
محله الصغير في وسط بودابست مزدحم حتى بابه الخارجي بالزبائن من داخل وخارج المجر، ويبيع فيه موظفو العم جورج عبوات الأعشاب الطبية المغلفة بشكل جيد، وبترخيص طبعاً من الحكومة التي لا يتوانى حتى وزير الصحة فيها عن اللجوء إلى أعشاب العم جورج الطبية البديلة.
تتحدث حكاية الأسرة عن جدته التي عرفت أسرار الشفاء بالأعشاب، إنها العمة بوري التي ولدت عام 1865 في قرية صغيرة في شمال المجر، حيث كان سكانها وسكان المناطق المجاورة يسافرون إليها لأخذ المشورة عن الاعشاب الطازجة أو المجففة التي يستحسن استخدامها لمعالجة أمراضهم أو آلامهم، وقد كانت هذه الأعشاب تستعمل إما عن طريق شربها كمنقوع شاي أو عن طريق عصرها وشرب سوائلها. كانت طرق العلاج هذه تقليداً ورثته العمة بوري عن أمها وعن جدتها قبلها، إذ كانتا تعالجان الأوجاع بالطريقة نفسها، وكان وقتها لكل قرية أو منطقة صغيرة عطارة أو ما يشبه القابلة يقصدها المرضى، وبتناقل المعرفة من جيل لجيل تراكمت معرفة هذا العلم الذي يحمل حكمة الشعب وخبرته في هذه العلوم.
الحفيد الأكثر فضولاً
كان للعمة بوري تسعة أحفاد من بينهم جورج الاكثر فضولاً وحركة، وهذا ما جعل الجدة حين وصل لسن يستفاد منه في رحلات جمع الاعشاب تصطحبه على الدوام معها، وهكذا شيئاً فشيئاً تعلم الحفيد الصغير من الجدة ذات الملامح الجدية - كما يقول العم جورج عنها - أنواع الاعشاب الشافية وكيف تستعمل ومتى ولأي داء يكون دواؤها، وكيف ومتى تقطف، ويؤكد العم جورج أن هذا لم يكن سهلاً، والجهد المبذول به شاق جداً.
توفيت العمة بوري عام 1942، وكانت قبل وفاتها قد أنجزت مهمتها بتدريس الصبي حفيدها أسرار هذا العلم الممتد، ليصبح هو في ما بعد أحد أشهر المعالجين بالأعشاب وحمل لقب رجل الاعشاب.
تعتبر جبال الزان قطعة من وسط سلسلة الجبال المركزية الشمالية الهنغارية، حيث توجد فيها أكبر كمية كهوف متوسطة الارتفاع في سلسلة الجبال الكارستية. وفي عام 1977 أصبحت المنطقة الوسطى من هذه السلسلة حديقة وطنية، وقد أطلق عليها اسم الشجرة الأكثر شيوعاً فيها وهي شجرة الزان، وتبلغ مساحة هذه المنطقة 100 ألف هكتار، وفي هذه المنطقة يقضي العم جورج أكثر أوقاته في السنة، ويعرف في كامل تلك المساحات البرية الشاسعة كل أعشابها البرية ومواسم قطافها، ومنها يستعمل 150 نوعاً من الأعشاب كمنقوع لأعداد لا تحصى من العلل، لعل أشهرها مرض السكر الذي أصبح مزيج شاي أعشاب العم جورج المخفف لأعراض هذا المرض بشكل كبير لافتاً لاهتمام المرضى في قارة أوروبا أيضاً.
محاضرات وتجارب
حين لا يكون العم جورج وسط جبال الزان فهو إذاً يقوم بإعطاء محاضرات عن أهمية الأعشاب واستخدامها في كل مناطق البلاد، أو انه يكتب تجاربه في كتاب ويحرر تقويماً صحياً عن أوقات كل نوع من الأعشاب والنباتات ووقت قطافها على مر شهور العام. وكي لا تضيع هذه المعرفة لاحقاً من بعده يعلم ابنته سوزان التي ستكمل إرث العائلة المأخوذ عن ابيها وجدتها وبقية جدودها.
يذكر العم جورج بعض أنواع الامراض المعروفة والنباتات المساعدة في شفائها أو في تخفيف حدتها، إذ يخبرنا بأنه لمعالجة المصابين بانخفاض ضغط الدم ينصح بشرب منقوع نبات الزويا صباحاً قبل تناول أي شيء.
أما للمصابين بمرض السكر فهناك خلطة أثبتت فاعليتها مكونة من نباتات عديدة هي: جذور الطرخشقون وورق نبات القراص وزهر العرن الكأسي وورق التوت الأسود وجذور الهندباء البرية. أما للذين يعانون مشكلات هضمية فيخبرنا العم جورج أنها تعود لأسباب عدة، منها اضطراب إنتاج العصارة الصفراوية وتكون اللعاب والأحماض المعوية التي قد تنشأ بسبب التوتر أو العادات الغذائية السيئة. ولعلاج هذه المشكلة هناك خلطة مكونة من نباتات تعزز من إنتاج العصارة الصفراوية والتي تسهل من امتصاص الدهون من الغذاء.
كما أن النبات المعروف باسم حشيشة القزاز وزهرة الحواشي المخزنية كلاهما يحويان تلك العناصر المساعدة على تخفيض نسبة الكوليسترول في الدم، وينصح العم جورج بشرب كوب واحد يومياً من منقوع أحد هذه النباتات حتى وقت غير محدود، وحين تشير الفحوص الطبية لانخفاض نسبة الكوليسترول يمكن خفض كمية شرب هذا الشاي مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً.
نبات الجويسئة الخضراء هو أكثر النباتات فاعلية لقصور أو فرط عمل الغدة الدرقية، وهنا - كما يقول العم جورج - «علينا ألا ننتظر المعجزة بين اليوم والتالي، بل علينا استخدام المنقوع بين الشهر والشهرين لنصل إلى التحسن الملحوظ». يستخدم المريض هنا منقوع نبات الجويسئة مرات عدةفي اليوم عن طريق الغرغرة ثم ابتلاعه. أما مرض الباركنسون فينصح لعلاجه بنبات كيس الراعي كمنقوع، فضلاً عن نبات الأقصليص الصغير الطازج الأخضر الذي له تأثير ملحوظ وكبير في تقليل أعراض هذا المرض.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news