15٪ من مباني المدينة «نُصب تذكارية»
سان بطرسبرغ.. التراث العظيم لعصــــــــر القياصرة
على ضفاف أحد أفرع نهر النيفا بمدينة سان بطرسبرغ ترسو السفينة الحربية التي كان لها تأثير بالغ في التاريخ السياسي للإمبراطورية الروسية، ألا وهي السفينة المدرعة «أفرورا» التي أطلق طاقمها عام 1917 طلقة مدفع إيذاناً باندلاع ثورة أكتوبر المعروفة باسم الثورة البلشفية. ويُعد موقع هذه السفينة التاريخية من الأماكن التي يجب أن يتضمنها البرنامج السياحي لزوار مدينة سان بطرسبرغ العظمى.
وخلال الفترة من أواخر الربيع حتى مطلع الخريف من كل عام، يتدفق السياح على مدينة سان بطرسبرغ ذات الأهمية الاستعمارية التي وضع القيصر «بطرس الأكبر» المعروف أيضاً باسم «بيتر العظيم» حجر أساسها عام 1703. وفي الحرب العالمية الثانية شهدت المدينة عذاباً شديداً لا يمكن تصوره تحت حصار القوات الألمانية الذي استمر 900 يوماً. وبفضل أعمال الترميم واسعة النطاق والتغير الديناميكي الذي شهدته فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي أصبحت سان بطرسبرغ مدينة تحظى بجاذبية عالمية. وكانت «اليونسكو» قد أدرجت في عام 1990 مدينة سان بطرسبرغ على قائمة التراث العالمي، إذ إن 15٪ من المباني في وسط المدينة تُعد بمثابة نصب تذكارية.
وعندما أطلقت السفينة «أفرورا» نيرانها، تدفق الثوار البلشفيون إلى القصر الشتوي المُصمم على الطراز الباروكي الروسي وأسقطوا الحكومة البرجوازية. وتنازل القيصر عن العرش منذ عهد طويل، واليوم يضم المبنى المترامي الأطراف متحف «أرميتاج» الذي يُعد أحد أكبر وأشهر المتاحف الفنية في العالم، حيث يحوي أكثر من ثلاثة ملايين عمل فني. وتشتمل مجموعة الأعمال الفنية الواسعة على روائع الفن الأوروبي التي تمتد من أعمال ليوناردو دا فينشي حتى فاسيلي كاندينسكي.
وعلى الجهة المقابلة لميدان القصر المهيب يقع مبنى القيادة العسكرية العامة المُصمم على شكل قوس، وذو الطابع الكلاسيكي الذي يصل عرضه إلى 600 متر تقريباً. وأمام القصر الشتوي وقعت عام 1905 دراما سجلها التاريخ باسم «الأحد الدامي»، حيث أمطر الحرس الإمبراطوري حشود العمال الذين جاؤوا للتظاهر ضد الظروف غير الآدمية في المصانع بوابل من الرصاص، وبعد 12 عاماً من هذه الواقعة اندلعت الثورة البلشفية.
وتقول المرشدة السياحية تانيا بوغدونافا «ينبغي على سياح بطرسبرغ تفقد معالم المدينة سيراً على الأقدام حتى إذا كانت المسافات كبيرة». وبينما تقول تانيا ذلك تتجه صوب شارع «نيفسكي بروسبيكت» العريق، وهو أحد الشوارع الرئيسة بالمدينة والممتد بطول أربعة كيلومترات ونصف ويعج بالمقاهي والمحال التجارية والمسارح وقصور النبلاء والكنائس، من بينها كاتدرائية كازان التي تشتهر بأعمدتها المقوسة.
ويسير السائح نحو ربع ساعة من الشارع الرئيس حتى يصل إلى كاتدرائية إسحاق التي تمتاز بقبتها المكسوة بالذهب، وكان ألكسندر الأول قد أصدر أوامره بإنشائها عام 1818، وتم تشييدها باستخدام الجرانيت الأحمر والرخام الرمادي. وعن هذه الكاتدرائية تقول المرشدة السياحية تانيا «تُعد هذه الكنيسة أروع وأفخم كنائس المدينة، كما أنها أكبر كنيسة أرثوذكسية في العالم، حيث تسع لنحو 14 ألف شخص».
ويقول رجل الأعمال النمساوي هانيس أوبرماير الذي يحرص على زيارة المدينة بانتظام، «خذ وقتك في سان بطرسبرغ»، وهو مغرم على وجه الخصوص «بالليالي البيضاء»، وهي الفترة الممتدة من بداية يونيو إلى منتصف يوليو، وخلال هذا الوقت من العام يغلف المدينة سحر ذو طابع خاص، حيث لا يلف المدينة خلال هذه الفترة ظلام دامس، كما يحتفل الناس في الشوارع وعلى ضفاف نهر النيفا، وفي ساعات الصباح الأولى يشهد هذا النهر حركة ملاحة نشطة بعدما يتم رفع الجسور إلى أعلى، وفي هذا الوقت تتوافد أيضاً بواخر على الميناء، ونظراً لكثرتها تضطر هذه السفن إلى أن ترسو أيضاً على أرصفة الميناء التي يتم فيها تفريغ البضائع فقط في الظروف العادية.
وبدأ تاريخ المدينة في قلعة بطرس وبولس التي يحيط بها نهر النيفا من جميع الجهات التي وضع بطرس الأكبر رسومات بنائها بنفسه. وتزدان الكاتدرائية التي تقع في وسط القلعة وتحمل اسمها نفسه ببرج أجراس مكسو بالذهب يزيد ارتفاعه على 122 متراً. وتعد هذه الكاتدرائية أيضاً الكنيسة التي يدفن فيها القياصرة، ويمكن للسياح استقلال قارب في مياه نهر النيفا ليستمتعوا بجمال وروعة هذه القلعة المترامية الأطراف ذات الأسوار المنيعة.
ويقع اثنان من المعالم السياحية خارج المدينة، فعلى ضفة بحر البلطيق أصدر القيصر أوامره بإنشاء قصر «بيتر هوف» غرب بطرسبرغ بمسافة 29 كيلومتراً، وهو يضم بين أركانه حدائق شاسعة ومتنزهاً خلاباً وألعاباً مائية بديعة، لذا ينبغي على سياح مدينة سان بطرسبرغ ألا يفوتهم زيارة هذا القصر الذي يُعد بمثابة «فرساي روسيا».
كما يتدفق السياح على «قصر كاترينا» مقر الإقامة الصيفي الذي يقع على بعد 25 كيلومتراً جنوب سان بطرسبرغ، وقد تم استخدام 100 كيلوغرام من الألواح الذهبية للديكورات الداخلية فقط لهذا القصر الممتد بطول 300 متر، ويزخر بقاعات تنطق بالروعة والفخامة. ويجد السياح هنا أيضاً نموذجاً طبق الأصل غاية في الروعة والجمال لغرفة الكهرمان الأسطورية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news