«ماساي مــارا».. إفريقيــــا كما يحلم بها الكثيرون
تشتهر كينيا بأنها أفضل مكان في إفريقيا للاستمتاع برحلات السفاري، لما تزخر به من محميات طبيعية، مثل ماساي مارا، وما تحويه من حيوانات برية وأجواء رومانسية وتجارب مفعمة بروح الإثارة والمغامرة، لكن هذه الجنة الطبيعية مهددة بالانقراض.
ويندهش السياح بشدة عند زيارة محمية ماساي مارا الطبيعية لأول مرة، وحتى إذا لم تظهر أمام أعينهم قطعان الحيوانات البرية القادمة من منطقة سيرينغيتي في تنزانيا المجاورة خلال مواسم الهجرة، حيث سينعم السياح بمنظر طبيعي في غاية الروعة والجمال يضم جميع الحيوانات البرية. ويتمكن السياح من التقاط صور للفيلة والأسود والنمور والجاموس الوحشي، ويمكن أن يصادفهم بعض الحظ ويظهر أمامهم وحيد القرن في بعض مواقع المحمية الطبيعية.
وبعد أول ظهور للحيوانات البرية يبدأ السياح في مشاهدة ومراقبة الحيوانات بصورة أكثر استرخاءً. وفي بعض الأحيان تبدو الصورة في الواقع أجمل من مشاهد الفيلم الأميركي «الخروج من إفريقيا» الذي تم إنتاجه عام 1985، بطولة النجمة ميريل ستريب والنجم روبرت ريدفورد.
ويسير برفقة السياح مرشد رحلات السفاري بمخيم مارا بوش كامب، ديفيد كارانغا، الذي يعرف كل شبر في المحمية الطبيعية مثل جيب سترته، لدرجة أنه يكتشف الأسود والفهود، في حين أنه لا يظهر أمام السياح سوى المروج والأعشاب الخضراء. ويهرب الضبع من أمامه بسرعة، بينما يتجول فرس النهر بجوار جدار الخيمة، ولكنه يبتعد عن المكان ببطء. وتتنقل القرود من شجرة إلى أخرى. ولا يخلو المشهد من زئير الأسود في كل مكان.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المرشد السياحي يؤكد أن هذه الليلة تعد من الليالي الهادئة في مخيم مارا بوش كامب، الذي يقع وسط محمية ماساي مارا الطبيعية، لأن الفيلة والجاموس الوحشي والفهود لم تضل طريقها وتدخل المخيم المكون من 10 خيام على منعطف نهر أولوروك.
الجنة الإفريقية
في هذه الجنة الطبيعية لا يسير أحد بمفرده، فعندما تطلع الشمس على هذه المحمية الطبيعية، التي تعد أجمل مواقع السفاري في إفريقيا، يرى السياح كثيراً من سيارات الدفع الرباعي، التي لا يمكن تجاهلها في هذه المنطقة التي تكثر بها حشائش السافانا الخضراء وأشجار السنط وقطعان الحيوانات البرية مثل الجاموس الوحشي والحمار الوحشي.
وفي أحسن الأحوال يمكن أن تبتعد السيارات لمسافة بعض كيلومترات. وفي أسوأ الحالات تتوقف السيارات على ضفة نهر مارا، ويبدو المشهد كأنه مستوحى من حفلات جوائز الأوسكار، حيث تعبر آلاف من الحيوانات البرية أمام عدسات السياح وتخوض في مياه النهر، على الرغم من التماسيح المتربصة بها، لكي تصل إلى الضفة الأخرى.
وقد اختلف واقع محمية ماساي مارا حالياً عن أوضاعها قبل 30 عاماً، حيث كان يتعين على السياح قطع مسافة 250 كيلومتراً من العاصمة نيروبي إلى هنا عبر طرق شديدة الوعورة في مدة لا تقل عن ست ساعات بالسيارات، بينما يتم اليوم نقل السياح جواً للاستمتاع بهذه الجنة الإفريقية السمراء.
صيد الأسود
في البداية يمر الطريق المؤدي إلى محمية ماساي مارا الطبيعية عبر طريق محاط بحقول القمح، التي لم تكن موجودة من قبل، وعلى قرى قبيلة الماساي التي تمتلك قطعاناً كبيرة من الماشية. ويلاحظ السياح قلة الحيوانات البرية في هذه المنطقة، ويعلل المرشد السياحي كارانغا ذلك بأن المحاربين من قبيلة الماساي، خصوصاً من فئة الشباب، يحاولون منذ قديم الأزل إثبات رجولتهم من خلال صيد الأسود باستخدام الرماح والحراب فقط.
وعلى ما يبدو فإن الضغط السكاني في كينيا قد وصل إلى البراري أيضاً، حيث ارتفع عدد السكان بنسبة 150٪ من عام 1980، ليصل عدد سكان كينيا حالياً إلى 41 مليون نسمة، وبالطبع يحتاج كل هؤلاء السكان إلى أماكن للإقامة والعمل بالإضافة إلى الموارد الغذائية، وهو ما يظهر بوضوح حالياً في هذه المنطقة التي تعرضت لتغيرات عنيفة بفعل عبث الإنسان.
تغيرات سكانية
يرى مدير منطقة المثلث في شمال غرب محمية مارا، براين هيث، أن الثروة الطبيعية من الحيوانات البرية في كينيا قد تقلصت بنسبة 80٪ خلال الـ35 عاماً الماضية، نظراً لتحويل مساحات شاسعة من أراضي المراعي، التي كانت تصل إلى مئات الآلاف من الهكتارات، إلى حقول زراعية لإنتاج الغلال والحاصلات الزراعية. بالإضافة إلى إزالة الغابات، التي حافظت عليها أجيال قبيلة الماساي عبر الأزمان، بسرعة كبيرة تنذر بالخطر.
وتُعد الإقامة في محمية مارا بحق تجربة فريدة لا يمحوها الزمن. وتتنوع إمكانات المبيت في المحمية الطبيعية، لكنها تشترك في صفة واحدة من حيث ارتفاع تكاليفها بدرجة كبيرة. فعلى سبيل المثال، توجد هناك بعض المنازل الصغيرة لإقامة السياح، بالإضافة إلى المخيمات بدرجات جودة متفاوتة. وغالباً ما تفتقر هذه الخيام إلى بعض تجهيزات الراحة المتطورة، لكنها تكون مجهزة بحمام خاص ودش الماء الساخن.
ونظراً لأن مخيم مارا بوش كامب غير محاط بسياج، فمن الأفضل أن ينادي السياح على محارب الماساي، قبل التوجه إلى المطعم أو مكان النار في المخيم، حتى يرافقه ويحميه من التعرض لأيه وحوش ضارية، حيث يظهر المحارب برمحه الحاد للغاية، لدرجة أن سن الرمح يلمع تحت أشعة الشمس الإفريقية.