الرقص.. علاج واكتشاف للنفس بالحركة
يُعد العلاج بالرقص أحد أشكال العلاج الفني التعبيري. ويقوم هذا الأسلوب العلاجي على فكرة الارتباط الوثيق بين الحركة والمشاعر، لذا فهو يتمتع بتأثير فعال في علاج العديد من الأمراض النفسية والجسدية، بدءاً من الآلام المزمنة وصولاً إلى أشد أشكال المرض النفسي كالفصام.
وأوضحت اختصاصية العلاج بالرقص الألمانية، إيلكه فيلكه، أن «العلاج بالرقص يعتمد بشكل أساسي على مدى إدراك الإنسان لحركة جسمه، وليس على حركات الرقص ذاتها. وأضافت فيلكه، رئيس الجمعية الألمانية للعلاج بالرقص بمدينة بولهايم «لا يتم استخدام الرقص بمفهومه التقليدي في هذا العلاج». لذا لا يحتاج المرضى لتعلم الباليه مثلاً أو رقص الهيب هوب، إنما يهدف العلاج لاكتشاف الإنسان لنفسه من خلال الحركة.
بينما ذكرت رئيسة قسم الدراسات العليا للعلاج الحركي والعلاج بالرقص بجامعة هايدلبرغ الألمانية، البروفيسورة زابينا كوخ، أن «الرقص يُتيح للمرضى إمكانية التعبير عن مشاعرهم، من خلال الحركة وإدراك حالة الجسم والشعور به، وبذلك يظهر التأثير العلاجي للرقص».
وأضافت فيلكه أنه «لا توجد أيضاً مدة نموذجية وثابتة لجلسة العلاج بالرقص»، لافتةً إلى أن مسار كل جلسة يتحدد بناءً على مشكلة المريض وعلى حالته الراهنة في المرحلة العلاجية.
وأردفت فيلكه: «تعد جلسة العلاج بالرقص بمثابة حوار، وليست حصة رياضية يجب خلالها الالتزام ببرنامج معيّن». لذا يقوم المشاركون في جلسة العلاج بالتحدث مع بعضهم بعضاً، مع العلم بأنه من الممكن أن تستغرق الحركة نحو خمس دقائق فقط، بينما يتم قضاء بقية الوقت في المحادثات، التي يعبر فيها كل شخص عن مشاعره الخاصة.
وعن المجالات التي يُستخدم فيها العلاج بالرقص، أوضحت كوخ أنه «غالباً ما يتم استخدامه مع مرضى الاكتئاب والفُصام والأشخاص الذين يعانون من مشكلات اجتماعية»، لافتةً إلى أنه غالباً ما يُستخدم أيضاً لعلاج الأمراض النفسجسدية كالأورام أو مع مرضى السكتة الدماغية أو الأشخاص الذين يعانون آلام الظهر.
وأردفت كوخ: «يُستخدم العلاج بالرقص بشكل وقائي، وكذلك في علاج الحالات المزمنة ولإعادة التأهيل، مثلما يحدث مثلاً في متابعة علاج سرطان الثدي»، ومن ثمّ يُمكن أن تختلف أغراض استخدام العلاج بالرقص ويتحدد شكله ومساره وفقاً للصورة المرضية التي يتم علاجها.
وتضرب الخبيرة الألمانية مثالاً على ذلك بقولها: «يتم مثلاً استخدام العلاج بالرقص لتحسين القدرة على التعبير العاطفي لدى مرضى الفُصام، بينما يتم استخدامه لدى مرضى التوحد، بغرض تحسين قدرتهم على إرسال الاستجابات اللفظية التلقائية، التي تتمتع بأهمية كبيرة في المحادثات القصيرة».
ولتحقيق النجاح في العلاج بالرقص، شددت فيلكه على ضرورة أن يكون المريض نفسه مستعداً للخضوع لهذا العلاج، مؤكدة «لن يُجدي العلاج أي نفع، إذا كان المريض مجبراً عليه».
وأشارت إلى ضرورة أن يقوم المعالج بمراقبة استجابة المريض للعلاج، وأن يتحقق أيضاً إذا كان هذا العلاج يتناسب معه أم لا.