«أنا» العقاد.. محاولة لتخفيف الهالات

تأتي السيرة الذاتية للعقاد في «أنا» و«حياة قلم» لتصحح النظرة إلى قامة عربية، أحيطت بهالات ـــ وأيضاً ألقاب ـــ جعلت البعض يعتقد أن صاحبها عاش ومات في برج عاجي، برفقة قلمه وكتبه.

احتفاء يليق بمكانة كاتب يعد من روّاد الثقافة العربية، في العصر الحديث، شهدته مصر، لإحياء ذكرى مرور نصف قرن على رحيل صاحب العبقريات، عباس محمود العقاد، إذ استمرت الفعاليات حتى أمس، تحديداً في مسقط رأس العقاد، محافظة أسوان بأقصى الجنوب المصري، التي شهدت إماطة اللثام عن تمثال جديد لمبدع «سارة»، و«ساعات بين الكتب»، ونحو أكثر من 100 كتاب، تطرقت إلى شتى الفنون والإبداعات، وأثرت المكتبة العربية بإصدارات متميزة، لم تسلم من الجدل.

شخصية العقاد القوية، والهالات التي أحاطت بعزلته وانطوائيته، لم تمنعه عن البوح، وتخصيص مقالات بالجملة لذلك، والتي جمعت بعد ذلك في أكثر من كتاب، ألقت الضوء على العقاد الإنسان، وكذلك صاحب القلم الذي أبدع في الأدب والفكر، وبدا في كثير من المقالات حرص الرجل على تغيير الصور ة النمطية عنه، وإذابة تلك الطبقات المتراكمة التي شوشت الرؤية بينه وبين بعض قرائه ومحبيه، إذ تحدث عن ذاته كما يراها هو، وكشف عن أسرار ربما لم يعرفها كثيرون، تبرز ملامحه الإنسانية، بعيداً عن المعارك الأدبية والسجالات الطويلة التي دخل فيها مع شعراء وكتاب وسياسيين، ومن أبرزهم أمير الشعراء أحمد شوقي والدكتور طه حسين، والرافعي، وأسماء أخرى. البداية كانت في أسوان في 28 يونيو عام 1989، والقصيدة الأولى كانت وهو في التاسعة من العمر، ولم تتأخر الصحيفة الأولى التي أصدرها الصبي النهم للقراءة والكتابة عن تلك السن، بينما كانت النهاية في 12 مارس 1964.

في «حياة قلم»، يفصل العقاد حكايته مع صناعة الكتابة التي ولجها من باب الصحافة التي قضى فيها نحو 50 عاماً، إذ أنشأ صحيفة لنفسه في طفولته المبكرة، حاول أن يجاري أسلوب عبدالله النديم، بعنوان «التلميذ»، طالما أن النديم كان يحمل لقب الأستاذ. أحس العقاد بـ«سحر الكلمة المطبوعة» وتوق الناس إليها، وتبجيلهم لها، رغم ما كان في الساحة من دخلاء وأدعياء، ولم يفقد إيمانه بذلك، وقال: «إن 1000 دجال باسم الطرق الصوفية لا يمسحون من الضمائر قداسة الدين، وإن 1000 دجال باسم الصحافة لا يمسحون قداسة الكلمة الحية بين أناس يحتاجون إلى الكلمة حاجتهم إلى العمل في ساعة اليقظة من سباتهم الطويل».

خاض معاركه القلمية وهو في الـ16 من العمر، حينما عمل وهو في هذا العمر في تحرير جريدة «الدستور»، وكان هو «نصف هيئة التحرير»، إذ لم يكن غيره هو وصاحب الجريدة محمد فريد وجدي.

يروي العقاد أنه كان يوقّع مقالاته بـ(ع.م. العقاد)، ولكن وقعت النقطة بين الحرفين الأولين، فصار التوقيع «عم العقاد»، وصار الرجل عرضة للسخرية من البعض: «ماذا قال عمك؟ وماذا تقول يا عم؟ واكتب لنا يا عمنا بما تراه». وولج ميداناً جديداً في الصحافة، عبر اللقاءات مع الوزراء المصريين، وكان أول لقاء له مع الزعيم سعد زغلول، وأتيحت له الفرصة لكي يقابل غاندي، لكنه آثر أن يلتقي المهاتما على الورق، فسطّر أحد كتبه عنه، إذ اشتهر العقاد بالتراجم، فالتقى شخصيات عدة، قديمة ومعاصرة، وعايشها وحوارها في كتبه، كابن الرومي وأبو العلاء وشكسبير وحتى هتلر، وغيرهم. في عام 1930 أحيل إلى المحاكمة بتهمة «العيب في الذات الملكية»، وحكم عليه بالسجن تسعة أشهر، وحينما أفرج عنه قصد ضريح الزعيم سعد زغلول، وأنشد في مستقبليه من الجماهير قصيدة وطنية بعنوان «على ضريح سعد»: «إلى الذاهب الباقي ذهاب مجدد.. وعند ثرى سعد مثاب ومسجد.. وكنت جنين السجن تسعة أشهر.. فهأنذا في ساحة الخلد أولد». وكتب عن تجربته في السجن كتاباً بعنوان «في عالم السدود والقيود».

روى تلميذ العقاد، طاهر الطناحي، أن صاحب «العبقريات» كان يتحدى التشاؤم، فسكن منزلاً في مصر الجديدة يحمل الرقم 13، وبدأ بناء منزله في مسقط رأسه أسوان في 13 مارس، وكان الرقمان الأولان من هاتفه 13، وكان يضع بومة على مكتبه، و«من الغريب أنه دفن يوم 13 مارس 1964.

أما عن المرأة، فللعقاد معها شؤون وشجون، برزت كحالة في روايته «سارة»، وكذلك في قصة حبه المشهورة للأديبة الراحلة مي زيادة التي وقع في أسرها العديد من الكتاب والمبدعين في تلك الفترة.

الأكثر مشاركة