أفضل أداء للممثل بول دانو

«سويس آرمي مان» تحفة سينمائية في حقبة إعادات الأفلام

صورة

«سويس آرمي مان» Swiss Army Man يبدأ مباشرة دون مقدمات، إذ إن المشهد الأول يخبرنا بالأزمة بعد ثوانٍ فقط من انطلاقه، فنرى أغراضاً تطفو في البحر مكتوباً عليها كلمات استغاثة، فنفهم أن هناك شخصاً ضائعاً في هذا المكان، وبحاجة إلى مساعدة.

* نهاية الفيلم صادمة جداً بل هي قاسية على المشاهد والشخصية معاً.

ليس للجميع

الفيلم ليس للجميع، بل هو لعشاق السينما كفن خالص، هذا الفيلم سيرسخ في ذهن المشاهد الذي يعجبه، لأنه بكل بساطة يمثل قوة السينما، بل هو كلاسيكي، خصوصاً أنه يبرز في حقبة تعاني تكراراً وإعادات لأفلام سابقة.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/09/532490.jpg

الحوارات تتميز بالغرابة حيث يتحدث هانك مع جثة عن الحياة والموت.

بول دانو كرّس نفسه تماماً وبمهارة لتقمص هذه الشخصية المعقدة والصعبة.

يظهر هذا الشخص في اللقطة الثانية، وتتضح الأمور أكثر، ونرى رجلاً تقطعت به السبل في جزيرة، ونراه يحاول الانتحار بشنق نفسه، لكن أثناء محاولته يلمح من بعيد جثة رجل آخر لفظته أمواج البحر إلى شاطئ تلك الجزيرة، فيقطع الرجل الحبل حول رقبته ويهرع لمحاولة إنقاذ صاحب الجثة أمامه.

من خلال حوار الرجل الأول مع الجثة نعلم أن اسمه هانك (بول دانو)، والجثة لرجل اسمه ماني (دانيال رادكليف)، ستتساءلون كيف يتحاور رجل مع جثة؟! فنقول توم هانكس تحاور مع كرة اسمها ويلسون في فيلم «المنبوذ» عام 2000، وبليك لايفلي حاورت طائراً اسمه ستيفن سيغال في فيلم «المياه الضحلة» منذ أسبوعين («الإمارات اليوم» 16 أغسطس).. نعم، سويس آرمي مان هو هذا النوع من الأفلام، لكن ليس بالضبط.

هذه هي القصة إجمالاً، معتمدة بالكامل على الحوارات وسلوك الشخصيتين وقراراتهما (نعم هناك شخصيتان حتى لو كانت إحداهما جثة). هذا الفيلم موجه إلى شريحة معينة من الجمهور، وليست تلك الشريحة السائدة التي تريد فيلماً ترفيهياً تتسلى به. هذا الفيلم ليس للتسلية، إنما هو من صنف خاص يسمى دراسة سلوك الشخصية Character Study Film، إذ إن التركيز كله منصب على العامل النفسي للشخصية، ويرتكز على أداء الممثل، وهو هنا بول دانو.

دانو في أداء لا يُعلى عليه، كرّس نفسه تماماً لتقمص هذه الشخصية المعقدة والصعبة، ونرى ذلك واضحاً من خلال تحورها من طور إلى آخر، حسب متطلبات الموقف، فمن خائف إلى متفائل إلى متشائم ومتردد وغامض وصريح وحزين ومحبط، قبل أن تنقلب بشكل كبير في آخر الفيلم.

«سويس آرمي مان» الذي كتبه وأخرجه دانيال شاينرت ودانيال كوان، المعروفان بالدانيالين، أو «ذا دانيالز»، يبدأ كأنه دراما نجاة Survival Drama، لكن ما يميزه عن أفلام كثيرة شاهدناها هو أنه ينقلب إلى أجواء سيريالية في منتصفه باتجاه النهاية، وهنا تكمن قوة الفيلم، إذ يضع المشاهد في حيرة لا يعرف إن كان ما يشاهده حقيقة أم هلوسات الشخصية، لا نعلم إن كنا في العالم الواقعي أم أننا محبوسون في ذهن هانك، الذي اختلطت عليه الأمور من شدة اليأس والهلع، لا يعلم هل يموت جوعاً أم انتحاراً.

شاهدنا منذ ثلاثة أعوام روبرت ريدفورد في فيلم «All is Lost»، أو «ضياع كل شيء» عن رجل تائه في عرض البحر، وقبله بـ10 سنوات، أي عام 2003، كان هناك فيلم للمخرج غاس فان سانت، من بطولة مات ديمن وكيسي أفليك، عن رجلين اسمهما جيري، أو يسميان بعضهما جيري (تشابه اسميهما نقطة محيرة في حد ذاتها)، يتوهان أثناء عبورهما صحراء تسمى وادي الموت، ولا يعلمان كيف يعودان، فيمضيان وقتهما في تجاذب أطراف الحديث عن قصص من الماضي لرفع معنوياتهما.

من نقاط قوة الفيلم الأول اعتماده على أداء ريدفورد، خصوصاً مشاعره وتعابير وجهه، إذ كان صامتاً كل الفيلم تقريباً، ومن نقاط قوة الفيلم الثاني اعتماده على نوعين من المشاهد، النوع الأول لقطات حوارات، والثاني لقطات صامتة طويلة، لا نسمع فيها سوى صوت أحذية الشخصيتين.

الفيلمان المذكوران آنفاً، وفيلمنا هذا، تصنف ضمن فئة «الأفلام الشجاعة»، وهي تسمية غير رسمية، كونها تخالف الأفلام السائدة التي تنتجها هوليوود، لأنها تعتبر سينما مستقلة.

أما «سويس آرمي مان» فهو مختلف قليلاً، إذ يستخدم الفكرة نفسها (رجل تائه أو إنسان ضد الطبيعة)، ويضعها في قالب جديد (شخصية الجثة + هلوسات هانك)، ويدخل في سلسلة مواقف أو أفكار (في حال كنا في ذهن هانك) تشرح الحالة النفسية التي يمر بها الرجل.

حوارات الفيلم تتميز بالغرابة الشديدة، حيث يتحدث هانك مع الجثة ماني عن معنى الحياة والموت، قبل التطرق إلى الحديث عن الغازات في البطن وكيفية خروجها (هذه الجزئية تهيمن على الفيلم بأكمله)، وتعتبر جزءاً لا يتجزأ منه، إذ أنها قد تكون رمزاً لفكرة تعبير الشخص المكبوت عن نفسه دون القلق على ما سيقوله الآخرون عنه، أو هو ما يحدث للإنسان عندما يكون خائفاً.

الجثة ماني ستتحدث في منتصف الفيلم، وتلك نقطة متوقعة، لأن هذا هو الغرض أساساً من جلب ممثل شهير مثل رادكليف لأداء الشخصية، ولو لم يكن ذلك صحيحاً لرأينا كرة أو قطعة خشب وليس جثة آدمي. المهم هنا هو أداء رادكليف المتحجر الروبوتي في هذا الفيلم، الذي يعتبر نقطة عبقرية هنا، الغرض منها عدم تشتيت المشاهد عن أداء دانو من جهة، ولأن الفيلم عن دانو نفسه من جهة ثانية، ولأنه لا يمكن لجثة أن تتحدث كآدمي طبيعي من جهة ثالثة.

بداية الحوار يبدو لنا أن ماني طفل يريد أن يتعلم من تجارب هانك، أو هو مخلوق فضائي أتى يتعلم عن الحضارة الإنسانية، أو روبوت، وهذه الجزئية تحديداً قد تعيد إلى الأذهان فيلم Artificial intelligence أو «ذكاء اصطناعي» لستيفن سبيلبيرغ، التي أبدعها الممثل الطفل آنذاك هالي جويل أوسمنت.

غرابة الفيلم كذلك تكمن في الموسيقى (من تأليف أوركسترا مانشستر وهي فرقة أميركية ولا علاقة لها بالأوركسترا المعروفة)، التي تتغير بتغير أجواء الفيلم بإتقان شديد وملاحظ.

نهاية الفيلم صادمة جداً، بل هي قاسية على المشاهد والشخصية معاً، ودعونا نختم بهذه العبارة: «هذا الفيلم الذي سيبكي عليه إم نايت شيامالان، ليس تأثراً به، بل لأنه لم يصنعه».

تويتر