أهلها يعشقون الحياة وأماكنها تحمل الأساطير والدهشة

أيرلندا الشمالية.. رونق الطبيعة يعانق عراقة القلاع

صورة

حين تصل الى العاصمة الأيرلندية دبلن في الصباح، فإن أول ما يتراءى لك من نافذة الطائرة مشهد المدينة وهي تستيقظ من نومها في الساعات الأولى، لتشعر أنك أمام بلد يعود تاريخه لأكثر من خمسة آلاف سنة، فالمشهد من الطائرة هو مزيج بين عراقة المباني والقصور، ورونق الطبيعة، وإضاءة صباحية خافتة، تشير الى مدينة أهلها يعشقون الحياة والصباحات الهادئة، وأماكنهم تحمل الكثير من الأساطير والحكايات المثيرة للدهشة.

تايتانك

التاريخ في بلفاست لا يتوقف عند القلاع، حيث باتت هذه المدينة وجهة سياحية مميزة بعد تأسيس المتحف الخاص بالتايتانك عام 2012، والذي جعلها محطة مهمة للسياح الذين يبحثون عن تجارب سياحية خاصة، وكذلك لعشاق السفينة. عند المتحف يمكن أن تشاهد المباني القديمة التي رسمت فيها التصاميم الأولى للسفينة، وكذلك فندق قرميدي اللون يسمى «بيت التايتانك» حيث شيدت السفينة في عام 1912، الى جانب استديو خاص للتصوير.

مذاق أيرلندي

قد يكون تناول وجبات أيرلندية في المطاعم من التجارب الجديدة، لاسيما أن هذه الأطعمة لا تحظى بالانتشار الواسع عبر البلدان. وتشتهر الأطباق الايرلندية بكونها تعتمد على مزج جبنة الماعز بالخضار، بينما تعد كيك السمك إحدى الوجبات المميزة، في حين ان اللحوم المشوية تتصدر قائمة المطاعم هناك. أما الحلويات فهي لا تأبه بالبرد القارس في الخارج، فأغلبها يعتمد على الدمج بين الفواكه أو الكيك والمثلجات.

لدى الخروج من مطار دبلن بعد رحلة لأكثر من ثماني ساعات، بدعوة من الهيئة السياحية في أيرلندا وبرعاية «طيران الاتحاد»، يلفحك الهواء البارد، فتشعر بالبرد الجميل، فالمطر الخفيف الذي يبلل الطرقات يزيد من جمال الطبيعة، فهو ليس سوى مطر خريفي ينذر ببداية فصل الشتاء.

تستغرق الرحلة من العاصمة دبلن الى بلفاست التي تعرف بعاصمة ايرلندا الشمالية ما يقارب الساعتين في السيارة، ساعتين تحملان الكثير من المناظر التي تختصر جمال هذا البلد، وتشكل ما يشبه المقدمة الى ما تحمله إليك الجولة التي ستقوم بها على مدى أيام، حيث تشعر بأن الطبيعة لوحة زينها تعاقب الفصول، فالأشجار تخلع زيها الملون، لتودع الخريف وتستقبل الشتاء، فيما ارتدت الأرض ألوانها البرتقالية والصفراء الساحرة، حيث كستها أوراق الأشجار المتهاوية في خريف عمرها. يتسلل اليك شعور تلقائي بانتقالك من العاصمة الى القرية، حيث تغيب المباني، ويباغتك سحر الطبيعة والمزارع الخضراء، والبيوت الايرلندية الصغيرة التي يعلوها الحجر الأسود اللون، وأمام هذه البيوت حدائق صغيرة يكسوها اللون الأخضر. ولا ينقطع عن ناظريك هذا المشهد إلا حينما تستلقي على العشب، الواحات المائية التي تحمل انعكاسات اللون الأخضر والبرتقالي.

الطريق من دبلن الى بلفاست ليس طريقا سريعا، وإنما هو طريق ضيق يتسع لسيارتين في اتجاهين متعاكسين، ما يسمح لك بالالتحام مع الطبيعة، فتطل من نافذة السيارة على مشاهد جمالية مختلفة، فعلى هذا الطريق تنتشر الكثير من المزارع الخاصة بتربية المواشي، فترى الماعز التي لون صوفها بالأحمر والأزرق لتمييزها وعدم اختلاطها، ترعى في هذه المساحات الخضراء الشاسعة. كما يمكنك ان ترى الوديان والسهول والشلالات التي تنحدر من جبال غنية بالممرات التي تبدو كأنها غابات لعلو أشجارها، فهنا المشاهد الطبيعية متنوعة، وتحمل من السحر ما يكفي كي تشعر أنك شبه معزول عما يحدث في أنحاء العالم.

في مدينة بلفاست التي هي ثاني مدن أيرلندا بعد دبلن، الكثير من التاريخ والحضارة التي تجسدها القلاع التي تروي تاريخ البلاد، وحروبهم وصراعاتهم من أجل البقاء، منها قلعة وارد، التي تعد أشهر القلاع التي تعود إلى عام 1570، وهي قلعة مفتوحة لعموم الناس، وتمتد المساحات الخضراء فيها على مساحة 332 هكتاراً، فيما تحمل القلعة المنزل الخاص بعائلة وارد، وقد بنت العائلة أكثر من منزل في القلعة، ولكن اللافت في الهندسة المعمارية الخاصة بالقصر هو الجمع بين كلاسيكية بناء القلاع، وما كان معاصرا حينها، حيث كان وجه المنزل يختلف عن خلفيته. فيما تعد قلعة «بالي غالي»، القلعة الأقدم التي مازالت تستخدم للسكن، حيث تم تحويلها الى فندق من خلال الاحتفاظ بغرفها القديمة واضافة مجموعة من الغرف في بناء حديث مع الحفاظ على الغرف القديمة والجمع بين التراث والعصري في البناء، فلازالت داخل القلعة الغرف القديمة ذات السقف المنخفض، والأدراج الصغيرة جدا، والاقبية المنخفضة. بينما تعد حديقة «ماونت ستيوارت» من أبرز الحدائق التي تعود الى المنزل الذي يرجع تاريخ بنائه الى القرن 19 وتقع على الشاطئ الشرقي لسترانغفورد.

التاريخ في بلفاست لا يتوقف عند القلاع، حيث باتت هذه المدينة وجهة سياحية مميزة بعد تأسيس المتحف الخاص بالتايتانك عام 2012، والذي جعلها محطة مهمة للسياح الذين يبحثون عن تجارب سياحية خاصة، وكذلك لعشاق السفينة. عند المتحف يمكن أن تشاهد المباني القديمة التي رسمت فيها التصاميم الأولى للسفينة، وكذلك فندق قرميدي اللون يسمى بيت التايتانك حيث شيدت السفينة في عام 1912، الى جانب استديو خاص للتصوير، فيما تعد زيارة المتحف تجربة تجعلك على تماس مع تاريخ السفينة منذ البناء وحتى ما بعد غرقها.

اللافت في ايرلندا الشمالية هو أنك أمام سحر من الطبيعة لا يعرف شكلا متجانسا، فلا يمكن أن تقول إنها بلد جبلية أو حتى بحرية، فهنا تلتقي اطلالة الجبال مع رمال الشواطئ، فترى سحر الموج يتدفق عند الرمال ويسعى الى صعود الجبال. هذا المشهد يتجسد بشكل بارز عند جسر الحبال، وهو الجسر الذي يربط بين جبلين في البحر، اذ يرتفع الجسر 30 متراً عن سطح البحر، ويصل طوله الى 20 مترا. يربط الجسر بين جبلين، والطريق التي توصل اليه طريق طويلة ومتعرجة وتحمل الكثير من المشقات في الصعود، خصوصا أنها أرض جبلية غير مستوية، وقد شقها الصيادون الذين كانوا يقصدون البحر في هذه المنطقة لغناها بالسمك. في حين أن «كوز وي» الطريق الذي يصل الى الشاطئ حيث تخبرنا الأساطير عن عمالقة بنوا الصخور على شكل أعمدة حين أرادوا أن يتحدوا بعضهم، فهنا مع الطبيعة ومع البناء حكاية خاصة، ولاسيما ان هذه الصخور تحولت الى ما يشبه الأعمدة أو الكراسي، وواحدة منها تسمى كرسي الأمنيات.

قد يكون المغري في هذه المدينة هو التعرف إلى حياة الناس، فالنهار لا يشبه الليل أبداً عندهم، يفتحون محالهم في النهار، ويقفلونها عند أول المساء، ليتركوا لأنفسهم فرصة الاستمتاع بعشاء جميل على وقع الموسيقى أو في مطعم دافئ، ثم السير في الشوارع الفارغة من كل شيء إلا من الذين يحبون السهر. أما خلال النهار فنجد الشوارع مليئة بالمشاة وبعض العروض التي يقدمها مهرجون على الارصفة. أما في دبلن العاصمة التي تحمل الكثير من العراقة والقدم في مبانيها وشوارعها، فتجد في أسواقها الكثير من العازفين الذين يغنون أو يعزفون على آلات نفخ تقليدية ويجنون بعض الأموال من عزفهم للمارة.

أما إن أردت الاحتفاظ بتذكار فقد تكون الأشغال اليدوية هي الخيار الأمثل، اذ تشتهر النساء في هذا البلد بالحرف اليدوية، منها الطين الذي يصنعونه بأشكال مختلفة، فيسعون الى تجسيد كل رموز بلدهم من خلال أشغالهم، الى جانب بعض الصحون المصنوعة من السيراميك، والتي تحمل رسومات الأماكن السياحية. كما يقومون بحياكة الشالات يدوياً، وكذلك القبعات التي تحمل الكثير من التصاميم والألوان المميزة والكفيلة بتخفيف برد الشتاء القارس.

تويتر