متحف الصابون يؤرّخ لصناعة ترجع إلى ثلاثة قرون
كثيراً ما يتم تشبيه صيدا القديمة في جنوب لبنان بأنها «المتحف المفتوح»، إذ يندر أن تحفر فيها حفرة ولو صغيرة دون أن تعثر على آثار معدنية أو حجرية تعود لآلاف السنين، حتى قيل فيها إن «البحر المتوسط يحدها من الغرب، بينما تحدها من القعر حضارات العالم». في قلب صيدا القديمة حارة بأسقف معقودة على الطرف منها يقع متحف الصابون. الحارة عُرفت باسم العائلة الصيداوية العريقة (مالكة بنك عودة). تضم بيتاً عائلياً وعقداً من الأحجار الرملية، فضلاً عن معمل لإنتاج الصابون البلدي التقليدي، بالطريقة الحرفية اليدوية التي تعود إلى القرن الـ17.
يناهز عمر معمل الصابون ثلاثة قرون، ويعود الفضل في تأسيسه إلى عائلة حمود، وهي من أصول مغاربية، قبل أن تشتريه عائلة عودة في عام 1880، التي حافظت عليه كمعمل صابون حمل اسمها وتوارثه الأبناء والأحفاد حتى عام 1975، تاريخ اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، حيث توقف عن العمل وهجره أصحابه قسراً، بسبب الحرب، فيما وللسبب ذاته، سكنته عائلات نازحة من مناطق القتال.
بعد انتهاء الحرب استرجع آل عودة المعمل عام 1996، وحولوه منذ ذلك الحين إلى متحف فخم يعبق برائحة الصابون المعروض للبيع، بعد أن رمّموه مراعين الحفاظ على تراثية المكان، ومعدات الشغل التقليدية من مواقد وقدور فخارية وأقنية الترقيد وأدوات تقطيع الصابون، وآلة تسوية الشوائب، فضلاً عن عينات من المواد الأولية التي كانت تدخل في صناعة الصابون، وهي زيت الزيتون ونبات صحراوي يحمل اسم «عشنان القلي» وصمغ «الاصطرك» العَطِر وحبات الغار والقطرونة والكلس.
ومن المعروضات أيضاً أحذية العمال التي كانت تثبت فوق خشبة مسطحة، تمكنهم من الدَّوس على فرشات الصابون دون إتلافه. وكذلك حفظوا المطبعات اليدوية التي تدمغ الصابونة باسم «عودة» ومنها القديم الذي كان يحمل الاسم محرفاً «عودي».
في المتحف تلفت نظر الزائر أبراج دائرية جوفاء مبنية من قطع الصابون، بحيث يخترقها الهواء. يوضح المرشد السياحي زكريا شاكر، لأحد الأفواج الزائرة «الأبراج ليست ديكوراً، بل هي جزء من مرحلة تنشيف الصابون، إذ يتوجب أن يبقى الصابون على هذا الشكل 45 يوماً».
المتحف المؤلف من طابقين مبني من الحجر الرملي، وتعلو أسقفه القناطر التقليدية. وإلى جانب الصابون نجد ركناً خاصاً بمتعلقات الحمام التركي والمغربي.
يشرح المرشد «كان حمام السوق طقساً للفرح والمرح، وليس لمجرد الاستحمام، فالنساء كنَّ يمضين يوماً كاملاً في الحمام، يغنين ويرقصن ويضربن على الطبلة».
مديرة المتحف دانا موسى، قالت «المتحف المؤلف من طبقتين أنشئ في القرن الـ17، وقد استحدث مالكوه (مؤسسة عودة) لإدارته وصيانته من أجل مساعدة الحرفيين اللبنانيين على بيع منتجاتهم، مثل الخزفيات والزجاجيات والمونة البلدية، ونسعى لعرض الفخاريات والشمعيات».
وتضيف «لدينا جناح لعرض الغلايين الأثرية التي عثر عليها في المتحف خلال عمليات ترميمه. ورجح خبراء أن المعمل القديم كان يجاوره مقهى لتدخين الغليون، بسبب وجود آثار تبغ محروق في داخل العديد من الغلايين المكتشفة».
وتوضح «المؤسسة تلعب دوراً ثقافياً وفنياً أيضاً، إذ جرى تحويل بيت العائلة الذي يعلو المتحف، لاستضافة المعارض الفنية والمهرجانات الموسيقية، وتنظيم عروض أفلام السينما». وتكشف دانا أن عدد زوار المعرض منذ افتتاحه حتى اليوم قارب الـ600 ألف شخص، ثلثهم تقريباً من الأجانب.