كوكو شانيل: قدَّمتُ إلى العالم كلَّ هذا
يشكّل الفستان الأسود والفم المرسوم بأحمر الشفاه رمزاً لأناقة لا تفنى، فيما لايزال «الرقم 5» سيّد العطور، بعد 50 عاماً على وفاة كوكو شانيل، التي لاتزال رؤيتها المتمثلة في الأناقة المريحة حاضرةً في طلّة المرأة العصرية.
حتى إن مجلة «فوغ فرانس» عام 1927، وصفت تأثيرها بالقول: «أسلوب شانيل.. لا توجد من دونه امرأة جميلة الملابس»، وها هو لايزال هو نفسه، في عروض شانيل، اليوم كما في الأمس.
ويُسجَّل لـ«كوكو شانيل»، واسمها الأصلي غابرييل شانيل، أنها أحدثت ثورة في الموضة النسائية بالقرن العشرين، تختصرها بقولها: «ثمّة عالم كان ينتهي، وآخر كان سيولد، كنا بحاجة إلى البساطة والراحة والوضوح، لقد قدَّمتُ إلى العالم كل هذا».
منذ بداياتها في العقد الأول من القرن العشرين، كانت شانيل تسير في الاتجاه المعاكس لأزياء عصرها. فكانت ترتدي الملابس التي تصممها بنفسها، بينما كان زملاء المهنة الرجال يصممون أزياء لأنوثة مثالية.
وتميزت أزياء «كوكو» بكونها توفر المرونة، كونها مستوحاة من الملابس الرياضية، وتستعير بعض خصائص ملابس الرجال الأنيقة. ولجأت المصممة إلى التريكو والجيرسيه والتويد، لابتكار ملابس تتسم بالأناقة دون أن تبدو رسمية.
ولاحظت مؤرخة الفن والأستاذة في «سنترال سانت مارتينز» بلندن، كارولين إيفانز، أن الصور التي تعود إلى العشرية الأولى من القرن العشرين «تُظهر إتقان (شانيل) مظهر اللامبالاة التي يتصف بها الذكور، على ما يتضح من وضعها يديها في عمق جيبيها».
لم تكن هذه الوقفة مألوفة في ذلك العصر، إلا أن المصممة جعلت عارضاتها يعتمدنها أيضاً، وأرادتهن نسخاً تشبهها، أي نحيفات، مسطحات الصدر، مستقيمات الجسم. وترى مديرة متحف «قصر غالييرا»، المخصص للأزياء في باريس، ميرين أرزالوز، أن «بول بواريه حرر النساء من مشدّات الخصر أو الكورسيه، لكنّ شانيل هي التي ركّزت ابتكارها على المرأة، ومفهومها للأناقة مرتبط بعفوية المظهر وحرية الحركة».
«زي المرأة النشيطة»
وتتيح زيارة المعرض الاستعادي المخصص لشانيل في غالييرا، والذي افتُتح أكتوبر الفائت قبل الإغلاق العام الثاني، ملاحظة الدرجة القصوى من الحداثة في تصاميمها، عشية ذكرى نصف قرن على وفاتها في 10 يناير 1971.
وأوضحت مديرة المجموعات في غالييرا، فيرونيك بيلوار، أنها «جاءت برؤية جديدة للأناقة الأنثوية، مختلفة جذرياً» عما كان سائداً، إذ هي «بلا قيود، ولا تستسلم إطلاقاً لموضة ذلك الزمن».
وشددت الخبيرة على أن «ما طرحته (شانيل) في عصرها كان طليعياً جداً، فهذه هي الأمور التي تفعلها جميع النساء اليوم، وهي المزج بين العادي والأنيق، بين المجوهرات التقليدية وتلك الغريبة بأشكالها والمواد المستخدمة فيها، بين المذكر والمؤنث».
صحيح أن الفستان الأسود لم تخترعه شانيل، لكنه مثال يعبّر عن أسلوبها.
وكتب مؤرخ الموضة، أوليفييه سايار، إن «الفستان الأسود هو شكل تجريدي من اللباس الذي ترتديه جميع النساء، لكن شانيل لم تتوقف عند هذا الحد، بل إنها، إضافة إلى إطفائها الألوان، تقطع رؤوس الفساتين، وتزيل ياقاتها، وتخلع منها الدعامات الزخرفية وتزيلها وتمحوها».
وفي عام 1921، ولد عطرها «الرقم 5»، وهو «مصَنَّع واصطناعي مثل فستان»، لا يذكّر بأي رائحة معينة، إذ يجمع روائح الأزهار والخشب والتوابل.
أما زجاجة عطرها هذا، فتميزت ببساطتها، وبشكلها الهندسي، باللونين الأسود والعاجي، على نمط أزيائها.
وعندما عادت شانيل إلى المهنة عام 1954 (بعد مرحلة من التعاون مع الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية، أعقبها المنفى في سويسرا)، كانت حقبة الـ«نيولوك» من كريستيان ديور، والشكل الذي يمجّد معايير الأنوثة القديمة، لكن غابرييل شانيل التي كانت في الواحدة والسبعين، تموضعت مجدداً بعكس التيار.
فبزتها النسائية التي تتميز ببساطة قصاتها، تعرضت بدايةً للانتقاد بسبب افتقارها إلى الحداثة، قبل أن تصبح لعقود قطعة أيقونية وزي المرأة النشيطة.
وأشار أوليفييه سايار إلى أن شانيل «ابتعدت عن أسلوب الخمسينات المنمق وأصبحت بمثابة مرشدة روحية للشباب، فأسلوبها المنظم الأقرب إلى الزي الرسمي الموحّد منه إلى عدم الاستقرار في الملابس، فرض نمطاً سلوكياً على جيل ستينات القرن العشرين».
«المرأة الصبيانية»
أما الإكسسوارات، فعبّرت هي الأخرى عن سعي شانيل إلى الطابع العملي، ومنها الأحذية ذات اللونين، التي يوحي البيج فيها بأن الساق أطول، وتخفي البقع بطرفها الأسود، أو الحقيبة المبطنة التي توضع على الكتف لأن شانيل «تعبت من حمل الحقائب بيدها وإضاعتها». وبدت حقيبة شانيل هذه منظمة بطريقة مدروسة من الداخل، يتوافر فيها عدد من الجيوب، أحدها مخصص لأحمر الشفاه.
فنمط شانيل يحدد الماكياج أيضاً.
وشرحت المسؤولة عن التراث في شانيل، جولي ديدييه، أن «المرأة الصبيانية تعيد رسم وجهها من خلال إبراز نظرتها وتلوين شفتيها بالأحمر، في حين أن الماكياج الكثيف كان في السابق حكراً على الممثلات وسيدات المجتمع».
«شانيل 5»
وصفته شانيل بأنه «عطر اصطناعي، اصطناعي كالفستان، أي تم تصنيعه». مضيفة بوضوح: «أنا حرفية خياطة.. لا أريد الورود، ولا زنبق الوادي، بل أريد عطراً يكون مركّباً».
وأسندت شانيل المهمة إلى صانع العطور إرنست بو، الذي ابتكر تركيبة لا تعيد إنتاج أي رائحة موجودة في الطبيعة.
كذلك، فإن بساطة شكل الزجاجة ذات اللونين الأسود والعاجي، والتي شهدت تعديلات طفيفة على مر السنوات لكنها حافظت على بساطتها، كانت تتناقض مع الزجاجات الفخمة التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
وعن ذلك، قالت غابرييل شانيل: «سأضع كل شيء في العطر، لا شيء في الشكل».
فيرونيك بيلوار: «جاءت برؤية جديدة للأناقة، صحيح أن الفستان الأسود لم تخترعه شانيل، لكنه مثال يعبّر عن أسلوبها».
- الحقيبة المبطنة، التي توضع على الكتف صُنعت لأن شانيل «تعبت من حمل الحقائب بيدها، وإضاعتها».
- في عام 1921، ولد عطرها «الرقم 5»، وهو مُصَنَّع واصطناعي مثل فستان.