خبراء ندّدوا بمخاطرها على مستقبل المراهقين في العالم
«فلاتر» الصور على الشبكات الاجتماعية.. هوس «الجمال الدائم»
مع ازدياد الهوس بالإنترنت والمواقع الاجتماعية الشهيرة، التي باتت تعج بها حياة الأفراد، بدأت بعض الأخطار تتشكل شيئاً فشيئاً لتهدّد توازن البعض النفسي، وعلاقتهم بأنفسهم وبالآخرين، ومن أهم هذه الأخطار، التي قد لا تبدو مرئية لكثيرين، هوس «الفلاتر»، التي بيّنت دراسة حديثة نشرت في مجلة «لوبسيرفاتوار» ومجلة «لاكروا»، تأثيرها الضار في صورة الجسد واحترام الذات، خصوصاً لدى الفئات الأقل وعياً بمخلفاتها المدمرة على الحياة النفسية.
خدعة جاذبة
وغالباً ما يشير الأشخاص إلى «محسنات» الصورة الشهيرة التي أحدثتها تطبيقات، مثل «فوتوشوب» أو «فايستون»، إلا أن موجة «الفلاتر» التي تغير «صورتنا» اليوم وتجتاح كل مكان على وسائل التواصل الاجتماعي، باتت مثيرة للاستفهام ومحرّضة على «الخدع الجميلة» والجاذبة التي نبدو فيها، أمام أنفسنا وأمام الآخرين معظم الوقت، أحسن وأجمل وأفضل من ذي قبل من خلال وجوه نحيفة، وأسنان ناصعة البياض وبشرة ناعمة وخالية من الشوائب وواقع جمالي «معزز» بعيداً عن الواقعية.
هنا يطرح السؤال الأهم، هل يجب أن نشكك في استخدامها؟ هل يشعر كل منا حقاً بالرضا عن استخدام فلاتر «إنستغرام» و«التيك توك» مثلاً، وما مدى حاجتنا اليوم إلى مزيد من النماذج الطبيعية لأنفسنا؟
«عقدة السيلفي»
من بعض المحاولات التي تناولت هذا الخطر بالدرس محاولة المصور البريطاني رانكين لإثبات تأثير تطبيقات، مثل فلاتر «إنستغرام» و«سناب شات»، في الصحة العقلية للمراهقين. وفي هذا الغرض، رسم الفنان سلسلة من الصور لـ15 شاباً تراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وطلب منهم بعد ذلك تعديل صورهم، للوصول إلى النتيجة التي كانوا سينشرونها على شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. والمثير للغرابة، أنه لم يحتفظ أي منهم بصورة رانكين الأصلية. فقد عمد كلهم دون استثناء إلى تنعيم بشرتهم، في الوقت الذي بادر آخرون إما لتكبير عيونهم، أو تضييق أنوفهم، وبهذا الأمر ما قبل وما بعد، وبمقارنة النتائج، تبرز «عقدة السيلفي» بين الشباب، بحسب عنوان مشروع المصور، الذي يستنكر بالتالي «الآثار الضارة لوسائل التواصل الاجتماعي في الصورة الذاتية للأشخاص». وتبرز معه ظاهرة «الديسمورفوفوبيا»، التي لطالما انكب على درسها الطب المعاصر، وهو اضطراب وسواسي ونفسي يشعر فيه الشخص المصاب بالقلق بسبب عيب في شكل أو معالم جسمه، إذ يمكن مقارنة استخدام تطبيقات التنقيح، أو فلاتر «إنستغرام» بنوع من «الجراحة التجميلية الافتراضية» لإخفاء المظهر الحقيقي المعيب، (أو حتى الدفع إلى جراحة حقيقية أحيانا كثيرة).
وانطلاقاً من هنا، يمكن تفهم إشكالية الإدمان على «تعديل الواقع» الشخصي للناس، فعندما نقف أمام شاشتنا، يرسل لنا «إنستغرام» مثلاً، نسخة «مصححة» من أنفسنا، فهل هذا مرادف لفكرة أن وجهنا لم يكن جميلاً بما يكفي مثلاً، أو متوافقاً مع رموز ومعايير الجمال الخاصة به؟ وإذا بادر التطبيق بإصلاح وجوهنا، فهناك أشياء يجب بالفعل إصلاحها.
هنا بالذات تندلع دوامة الوساوس والتوتر، لأن هذه الفلاتر تواجهنا بنقائصنا، وتبرزها من خلال استثارة الرغبة في إخفائها، وبمحاولة إخفائها، فإنها تقوم أكثر بإبرازها وجعلها مرئية وصارخة وغير متناسبة في نظر مستخدمها.
ناقوس خطر
دراسات أخرى، حذّر فيها باحثون من جامعة بوسطن بالولايات المتحدة، من تأثير استخدام فلاترالتطبيقات الاجتماعية في التوازن النفسي والاجتماعي للمراهقين الأميركيين، الذين نزع بعضهم إلى تمني إجراء جراحة تجميلية فعلية للظهور، مثل الصور الفوتوغرافية التي يلتقطونها لأنفسهم بالاعتماد على الفلاتر.
وفي هذا الصدد، تعهد مايكل ستورا، المحلل النفسي المتخصص في التكنولوجيا الرقمية، بفك شفرات المخاطر الحقيقية المرتبطة باستخدام هذه «المحسنات»، والفلاتر على الشبكات الاجتماعية، ملاحظاً أن الصور «المعدلة» كانت في الماضي محصورة في المجلات النسائية، أما اليوم فقد أسهمت الشبكات الاجتماعية في إشاعة الظاهرة وزيادة استعمالها بشكل موسع بين كل الناس، فالكل يشاهد اليوم حجم المراهقات المدمنات على «فلاتر الفاشينيستات» و«مؤثرات السوشيال ميديا (اللواتي أصبحن نجمات حقيقيات على هذه الشبكات) ليصبحن نجمات مثلهن، إذ من المرجح أن تولد هذه الظاهرة الجديدة «مراهقين نرجسيين» في المستقبل.
عنف ضد النفس
من جهة أخرى، أثبتت الدراسات نفسها، التي أجرتها جامعة بوستن، بأن فكرة نشر مراهقين صوراً معدلة لأنفسهم بشكل ممنهج، يكشف في معظم الأحيان عن هشاشة حقيقية إذ تبرز «التعديلات» التي يجريها على مظهره، انزعاجاً دفيناً منها وخوفاً يقترب من درجة الهوس من «القبح». في الوقت الذي يكرس تطبيق «إنستغرام» وغيره من التطبيقات، فكرة التشابه والتماثل في «الجمال»، من خلال لعبة الإخراج المسلية التي تلعبها فلاتره مع المستعملين الذين يبدون بشكل تام وباستمرار، سجيني فكرة «المثالية» و«الجمال الدائم» في الظهور بأحسن صورهم وأفضلها على الإطلاق. وهذا أمر مناهض للواقع وفيه من التعسف والعنف ضد النفس الكثير، لأن كل فرد يمر بأوقات عصيبة ويحتاج إلى مساحة للتعبير عن ضيقه، وهذا أمر منعدم في «إنستغرام» تحديداً، الذي يضعف التطور الطبيعي للمراهق ليكون بالغاً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news