محمود الورواري: الإعلام مفرمة الأدب

      
قال الأديب والإعلامي محمود  الورواري أن «الإعلام مفرمة الأدب»، بسبب إصراره على المباشرة، فهو يطحنك تماماً، ويلتهم وقتك ويستنزف طاقتك، شئت ذلك أم أبيت، لذلك أردت أن أزاوج بين الاثنين، دون أن يطغى أحدهما على الآخر، فوضعت شروطاً تقضي بالاستفادة المتبادلة، والرواية الأخيرة خير دليل على ذلك، لأن الإعلام أتاح لي فرصة الاطلاع بشكل حي على ما كان يجري في بغداد وكابول وطهران وعواصم عربية، وهو الذي منحني فرصة المعرفة البشرية أكثر. والوقوف على الألم بكل تجلياته، خصوصاً المسكوت عنه في الإعلام العربي».

 

ولقيت رواية الورواري «حالة سقوط» حفاوة وترحيباً كبيرين في الأوساط الأدبية المصرية والعربية، وتناولتها أقلام عدد من أبرز النقاد في مصر خلال أمسيات وندوات خصصت لها، حيث حظيت بالكثير من الإشادة والثناء، حتى أن أستاذ النقد الدكتور مصطفى الضبع، دعا إلى التعاطي مع مقولات الرواية، بمعزل عنها، وذلك لبلاغتها وأهميتها.

 

تزخر «حالة سقوط» بحالات مأزومة بإنسانيتها، وانتماءاتها، وطموحاتها. فرقتها حروب وأنظمة حكم، وجمعتها قضايا فرضت على الشخوص سطوتها، فاستعبدتهم بطرق ربما ارتضوها، من دون النظر في أبعاد ذلك الرضوخ أو الاستعباد، أو أنهم تعلقوا بها باعتبارها «قشة» نجاة لغرقى في بحر من التناقضات. في إشارات واضحة على الاستلاب الذي طال تلك الشخوص، قبل وبعد الرحيل.

 

يقدم الورواري شخوص روايته من خلال انعكاس أفعالهم في أماكن أجبروا على اختيارها، مدافعين بحرارة عن أفكار وجدوا أنفسهم منتمين لها، أو متهمين بها، وعلى الرغم من تأثر الورواري بآراء رولان بارت، في العديد من كتاباته النقدية، إلا أن حالة سقوط المكان ومنظومة القيم، والمفاهيم، حتى مفردات نشرة الأخبار، دفعت بالورواري إلى الغوص في حالات الشخوص، متلمساً ما تبقى من ملامحها على جدران عواصم، لم تبخل في التبدل، أو التموضع في خنادق موالية، أو معادية، لتكشف في قراءة متحولة لفعل الانتماء، عن حلقات متجددة الدوران حول فراغاتها، وإن التبس على ناظريها أبعاد ذلك الفراغ ومكوناته وتبعاته، بالتصريح، وبالشعرية والصوفية.

 

وعلى الرغم من نفي المؤلف علاقة الشخوص بالواقع، إلا من خلال خيباتهم، ونفيه عنها صفة السيرة الذاتية، إلا أن الأماكن والأحداث، لا تغادران الأجواء التي تحيط بإعلامي تنقل في عواصم ودول مثل مصر، الأردن، الإمارات، إيران، العراق، وأفغانستان. خصوصاً في مرحلة شهدت سقوط بغداد، لذلك تستحق «حالة سقوط»، قراءة موازية للغتها، والفترة الزمنية التي تمددت وتقلصت فيها أجساد وأحلام شخوصها.

 

ماذا أراد محمود الورواري من شخوص روايته، وهل فعلاً وصل بالذي يريد، إلى من يريد، ولماذا فوجئ بما لقيته من حفاوة، وهل أنصف النقاد أزماته كاتباً وإنساناً في هذه الرواية في الأقل؟.

 


على غير عادة الكتاب، لم يتردد الورواري بالإشادة بالنقاد والأدباء وغيرهم ممن قرأ روايته، وقال إن «رأي النقاد بما نكتبه يتيح لنا أحياناً، التعرف إلى ذواتنا المبدعة».

 

 وأكد الورواري، الذي قدم من قبل عدداً من الأعمال الأدبية، مفاجأته بالحفاوة التي قوبلت بها روايته في الأوساط الثقافية في مصر. معرباً عن أمله بأن تتسع مساحاتها لجزء من العذابات التي يعيشها انسان هذه المنطقة. وقال «تناول هذه الرواية في مصر عدد من النقاد والكتاب والمثقفين، على أنها الرواية الوحيدة أو من بين قلة من الروايات التي يكتبها أديب مصري عن العالم الخارجي، على اعتبار أن الروائيين المصريين مهتمون بنهر لا ينضب من الموضوعات والمشكلات الداخلية التي تستحق وتأخذ الأديب المصري، إلا في ما ندر، واعتبارها الرواية العربية الأولى التي تنقل بشكل أدبي الداخل الإيراني المسكوت عنه اجتماعياً وإعلامياً». 

 

وأضاف «لم أكن أتعمد انجاز هذه الرواية بالطريقة التي خرجت بها، وهي المرة الأولى التي أكتب عملاً من دون رسم خطوط رئيسة تحدد مسار علاقة الشخصيات ببعضها البعض»، مشيراً إلى أن الرواية ابنة زمنها، وهي بين قلة من الروايات التي تناولت العالم العربي بعد عام 2003، راصدة مجموعة من الأسباب التي أدت إلى حالة سقوط كبرى طالت الأمة، وليس بغداد فقط. واصفاً ذلك السقوط بأنه «لم يقتصر على السقوط السياسي، وإنما هو إنساني أيضاً».

 

البيت الواسع
وحول اختياره جنساً أدبياً دون غيره، خصوصاً وأنه كتب القصة والرواية والمسرحية، قال الورواري: «الموضوع الذي أكتبه يفرض جنسه الأدبي، لذلك أجد نفسي في ما تجبرني عليه الكتابة، قصة أو رواية أو مسرحية، ولكني أعرف إذا كانت الرواية هي ألبوم من الصور، فالقصة القصيرة هي صورة واحدة تختزل الألبوم بكامله، فيكون التكثيف والتركيز والاختزال سمة أساسية، وهنا تكمن صعوبة القصة». مضيفاً «أما الرواية في تجربتي، فهي البيت الواسع الذي أدعو إليه أكبر عدد من الشخصيات المطحونة والمأزومة، لنشكو معاً لمن يقرأنا ويشعر بنا».


لافتاً إلى أن عدداً من النقاد أشار إلى أن لغة الرواية كانت أمينة مع مصطلحات المرحلة، مثل «المتفجرات، العبوات الناسفة، ذبح الرهائن، إلى جانب التقسيم والبث الحي. فتلك المصطلحات، كانت موظفة كتقنية سرد، وليست إخبارية صريحة».  

 



الورواري في سطور
  
كتب الأديب محمود الورواري، القصة والرواية والمسرحية، كما تناول بالنقد، العديد من الأعمال الأدبية، وقد صدرت له مجموعتان قصصيتان، هما «اجتياح» و«اختزال في المسافة والسفر»، وله من الأعمال المسرحية: «الخفافيش ووجع الأمكنة»، و«الطوق سجن الرؤوس»، «حاسب من الغلط»، مسرحية للأطفال، إلى جانب روايتيه «رد اعتبار»، و«حالة سقوط».

 

إلى ذلك يعتزم الورواري، الحاق روايته بجزء ثانٍ، تحت عنوان «حمزة العربي»، الذي اختفى في أفغانستان، بعد عام 2002، ليعيد قراءة تبدل المصطلحات، التي أفرزتها التحولات في المواقف والانتماءات، مثل: من مجاهد ضد الروس، إلى إرهابي في العهد الأميركي، ومحاولاً الكشف عن تداخل الصلات بين القبائل في ذلك البلد. وقال: «لا تكتمل فصول هذه الرواية، إلا بعد ذهابي إلى مناطق القبائل في أفغانستان، ومعايشة تلك البيئة، فلم أكتب عن بغداد، إلا بعد أن عشت فيها».و عمل الورواري في  عدد من القنوات الفضائية وقدم عدداً من البرامج الثقافية والسياسية وحصل على جوائز عدة في هذا المجال، ويعمل الورواري حالياً، مذيعاً للأخبار ومقدماً للبرامج في «قناة العربية».  

 

مقولات
من مقولات الرواية: «الشواطئ مفهوم نسبي للنجاة، فهي تحمل الموت للحيتان».  «لكل مدينة غرباؤها وأنا الغريب في كل مدينة».  «البرلمانات في العالم هي مصانع الديمقراطية، لكن المعلبة التي يجب أن تكون ميتة قبل التعليب، وهناك من مات مقابل وجبات من الديمقراطية المعلبة والفاسدة». «أية أوطان تلك التي يدفع ابناؤها أعمارهم ثمناً للهروب منها».  و«الأشجار شهادة المدن».

 

تويتر