"المترجم الخائن" تشخيص الامراض الثقافية

تصلح رواية السوري فواز حداد "المترجم الخائن" الصادرة أخيرا عن دار الريس للنشر في بيروت ان تكون لما بداه حداد في سابقتها مشهد عابر، كونه يواصل من خلالها توثيق سورية الحديثة، وبمعنى أدق سورية ما بعد الحركة التصحيحية،
 
وصولاً إلى أيامنا هذه، في مسعى منه لإضاءة الغائب والمغيب عن القارئ في تلك الحياة، والتي من الممكن أن تتحول إلى مادة سريالية كلما كان العمل الأدبي ملتصقاً أكثر بالواقع، ولعل هذا ما فعله حداد في «مشهد عابر» و«المترجم الخائن».
لكن وقبل قراءة «المترجم الخائن» يجب التأكيد أن حداد مأخوذ تماماً بهذا الهم التوثيقي، ولعل الشخصيات التي يقدمها لها أولاً أن تكون في خدمة ذلك الغرض، فمع هذه الرواية يمضي القارئ لاهثاً وراء حكاية ذلك المترجم الخائن حامد سليم، والمصير الذي يقع تحت رحمته من جراء ارتكابه خيانة في ترجمة إحدى الروايات عبر تدخله في النص الأصلي وتحوير النهاية.
 
هذه الخيانة ستـكتب لهذا المـترجم مصيرا عجيباً، يكون فيه تحت رحمة براثن المثقفين المحيطين به، كل ينتقم منه على طريقته، ووفق املاءات مطامحه، وعليه وعبر هذا الحدث يفضح الراوي، كل شخصية على حدة، ومعهم ذاك المترجم،
 
 والسطوة العجيبة للنقاد والكتاب والصحافيين في الوسط الثقافي السوري، وقدرة كل واحد منهم على التنقل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وإيجاد حلول يتلون من خلالها حسب معطيات كل مرحلة، إضافة لإضاءة دوافع كل مثقف في تغيراته، فهذا يتبنى خط اليسار الراديكالي، كونه قادما من الريف ولا يجد في المدينة إلا بؤرة برجوازية عفنة،
 
 وذاك الذي يعاند النظام السياسي، ثم يعود إلى رشده ليكون من أعتى المدافعين عنه، وغير ذلك من الشخصيات التي تضيء نماذج ثقافية لها أيضا أن تشكل تحالفات على هيئة المافيات، لا تركن إلى مبدأ ، ولا إلى هم ثقافي، إلا الشهرة والمال.
 
«المترجم الخائن» رواية تشخيصية لأمراض السلطة الثقافية وما يعيث بها من فساد، وكشّاف لا يعرف الرحمة للخبايا الاجتماعية السياسية والاقتصادية لهذه الفئات، وتتشعب خيوط الرواية لدرجة تصل بالمترجم الخائن إلى أن يعيش في حالة فصام يجبر عليها من خلال إعلان الحرب عليه من قبل القائمين على الثقافة،
 
 واضطراره إلى العمل في الترجمة تحت أسماء مستعارة، وغير ذلك من مصائر شخصيات مجاورة لهذه الشخصية الرئيسة مثل ليلى شكران، واصطدام أحلامها الثورية بانهيار كل ما حولها من أشخاص وقعت في حبهم، وأفكار حطمتها صخور واقع تغير تماما، بعد انسحاب المقاومة الفلسطينية من بيروت، واحتلال العراق، الأمور التي لا يغفل الراوي عن توثيقها عبر تلك الشخصية.
 
 يمكن اعتبار رواية «المترجم الخائن» هجائية مستفيضة للواقع الثقافي السوري، الذي لا ينفصل بديهياً عن الواقع الاجتماعي والسياسي، بل يمكن أن يمتد الأمر لاعتبارها تشريحاً لا يوفر العموميات والتفاصيل في ذاك الواقع،
 
 ولتكون تلك الحقيقة الصارخة في وجه القارئ الأكثر حضوراً من بين عناصر الرواية، التي كتبت تحت هيمنة تامة للراوي، وضبط تام لدوافع كل شخصية وخلفياتها، وفي خط سردي متقشف لغوياً، دون تنويعات على مستوياته، ولما يقارب الـ500 صفحة.
تويتر