فـتـاة متمـرّدة فـي بيت محافظ

 

 

ولدت في بيت يفتقد الدفء والحنان، لا أستطيع أن أعبّر عن وجهة نظري، وكأنني أعيش بين قبيلة من الغرباء، مضت طفولتي حزينة، مهمتي أن أتلقى الأوامر وأنفذها دون مناقشة، مكبلة بالأغلال والقيود، عبثاً حاولت أن أهرب من هذا العالم الذي أعيش فيه، لكن دون جدوى، كل الطرق كانت مغلقة في وجهي.


عندما كبرت، فتحت عيني لأجد نفسي، في بيت محافظ إلى حد بعيد، عادات وتقاليد صارمة  بحق  البنت، كانت أختي تعتبر أن كل ما يحدث مسألة عادية وطبيعية، أي أنها كانت تتلقى الأوامر بروح رياضية جداً، معتبرة أن كل ما يدور في هذا البيت مسألة طبيعية، لكنني كنت أستغرب تصرفاتها كلها، وكانت هي تستغرب تذمري، وربما تمردي على معظم الأشياء التي كانت توجّه إلي.


  كنت أسأل رفيقاتي في الصف عن  خصوصية البيت الذي يعيشون فيه، وعرفت أن كل واحدة منهن لها عالمها الجميل، وبدأت أقارن نفسي بهن.


اكتشفت أنني لا أحصل على مصروف شهري، على الرغم من أن عمري 18 سنة، ولا يحق لي الذهاب مع الصديقات لحضور فيلم سينمائي، حتى الرحلات المدرسية يحرمونني منها بحجة أنها مضيعة للوقت، ولكن معرفتي بفائدة الرحلات الكبيرة، كانت تجعلني أناقش لأصل إلى جواب منطقي.


الأغرب أنهم كانوا يقولون لي أنت (بنت)، ودائماً كان هناك خوف علينا من علاقات الجيران، وعلاقات المدرسة، هذا الخوف غير المبرر في نظري، جعلني أرفض الكثير من الطلبات التي كانت توجه إليّ، خصوصاً من أخي الذي كان يكبرني بعامين فقط، والذي كان يطلب مني إحضار متعلقاته، أو كأس ماء، أو إحضار العشاء، وكنت دائماً أتذرع بأنني مشغولة، وأقول له، ما الذي ينقصك، اذهب أنت وأحضر ما تريد، كانت أمي تقول لي، لابد أن تطيعي شقيقك، وكنت أرد عليها، وأنا أخته ويجب أن يطيعني أيضاً.


 بدأت أتعامل مع الجميع بندية، لأنني كنت أشعر أن هذا البيت حرمنا الكثير من العلاقات، لأنه بيت مغلق  على الآخر، بحجة أننا لسنا في بلدنا، لهذا بدأت أكسر هذا الخط، وأدخل بعلاقات مختلفة معظمها كان مع زميلات الدراسة، أصبحت أشارك في حفلات أعياد الميلاد، وحفلات المدرسة، ما جعل أهلي يقررون إرسالي إلى بلدي لأسكن مع عمي، فوافقت على الأمر، قائلة هناك سأعيش كما يحلو لي، هذا الأمر زاد حيرتهم مني، وبدأوا يتفننون في قمعي، حتى أصبح أهلي في حالة  قلق.


 كنت مجتهدة، بل متفوقة، وكانت نتائجي ممتازة، لهذا بدأت ألح عليهم بعد حصولي على الثانوية العامة، إما أن يرسلوني إلى بلدي لأتابع تعليمي، أو أعمل كي أصرف على نفسي، لكنهم كانوا يرفضون كل شيء أقترحه. 


ربما أكون أنا متعبة للآخرين، إذ إن أسئلتي بدأت تكبر يوماً بعد يوم، وبدأت أسأل عن جدوى الحياة بصوت مرتفع،  فحاولت أمي الاقتراب مني، وبدأت أحكي لها عن رفيقاتي وحياتهن المليئة بالمعنى، المليئة بالحب والمغامرات، هنا قررت أمي أن تعود بنا إلى بلدنا.


وبالفعل رجعنا، وبدأ أبي يرسل لنا كل المصاريف، انتسبت إلى الجامعة لأدرس إدارة الأعمال،  فتعرفت إلى زميل لي، ودار بيني وبينه أحاديث مختلفة، فاكتشفت مثلاً أنه كان يعيش في كندا، وأنه منفتح الآراء والأفكار، وكل العلاقات في رأيه تكون فقط نوعاً من الرفاهية والمنفعة.  

كنت أشعر أنه لا يفكر إلا بنفسه، وأن الآخر ليس أكثر من وسيلة ، لهذا حكيت لأمي عن هذا الصديق الذي بدأت أتعلق به، فجن جنونها، وقررت أن تعيدنا إلى الإمارات، وما بين هنا وهناك يزداد ضياعي، وتزداد غربتي لأنني فعلاً لم أعد أعرف كيف تسير الأمور، فهل أنا مخطئة، أم أن الآخرين لم يفهموني، وبالتالي كيف علينا فهم هذا العالم دون أن نحتك بتفاصيله الكثيرة، بل طبيعة العلاقات الأسرية التي تخلو من التجديد، لتسير على وتيرة واحدة، بل تشابه ممل، هذا الأمر جعلني مصدر قلق لأسرتي، وربما عدم محبة، وأصبحت أدور حول نفسي كالزوبعة، فكيف يمكن لي أن أكون كما يحلو لي دون أن أخسر أهلي الذين أحبهم.

الأكثر مشاركة