الديمقراطية الحقيقية لاتزال بعيدة عن افريقيا


اذا لم تتغلب  النخبة الحاكمة في افريقيا على هاجس ان الانتخابات النظامية، التي يحصل فيها الفائز على كل شيء، هي الاجراء الرئيس للديمقراطية، فإن طقوس العنف كالتي تحدث الآن بسبب الخلاف على الانتخابات في كينيا، ستتكرر في اماكن اخرى من القارة.
 
ويبدو ان مانحي المساعدات من الدول الغربية، الذين يضعون الانتخابات شرطاً لاستلام هذه المساعدات، قد ساعدوا في تكريس هذه النظرة المحدودة للديمقراطية. و يخشى ان يتكرر نفس السيناريو في زيمبابوي التي أجرت انتخاباتها الرئاسية أخيراً بعد طول انتظار، في ظل التأثير الواضح للرئيس روبرت موغابي في المشهد السياسي للبلاد واحتمال تلاعبه بنتيجتها، ينذر باندلاع اعمال عنف كما حدث في كينيا. ونظراً الى هذه الرؤية الضيقة للديمقراطية، فإن قلة قليلة من الحكومات الافريقية تكلف نفسها عناء بناء مؤسسات ديمقراطية ذات قيمة.
 
ويبقى فصل السلطات، مثل النظام القضائي المستقل ونظام التحقق و التوازن بين فروع الحكومة، موجوداً على الورق فقط . وإضافة الى ذلك فإن فكرة ان هناك حدوداً للسلطة، يجب فرضها بالقوة، تعتبرمفهوماً أجنبياً.
 
ففي كينيا، على سبيل المثال، عيّن الرئيس مواي كيباكي موظفي الهيئة الانتخابية والقضاة الذين يحكمون في التظلمات الانتخابية، وجميعهم منحازون الى طرفه. أما في زيمبابوي فإن موغابي يؤثر بصورة مباشرة في اللجنة التي تشرف على الانتخابات . كما ان معظم الدول الافريقية تتبنى نظاما مفاده ان الفائز في الانتخابات يحصل على كل شيء، وهو نظام سيئ بالنسبة لمجتمع متعدد الأعراق .

ويعتقد العديد من الزعماء الأفارقة ان حركاتهم تمتلك حقاً مقدساً للحكم الى الابد، لأنهم حرروا البلاد، بغض النظر عن سجلهم الضعيف في الحكم. وقال القائد الجديد والمثير للجدل لحزب المؤتمر الحاكم في جنوب افريقيا جاكوب زوما، إن حزب المؤتمر «سيحكم البلاد حتى تأتي المملكة».
 
وتعهد روبرت موغابي، الذي يحكم زيمبابوي منذ الاستقلال عام 1980، بألا يصل الحزب المعارض الرئيس في الدولة الى السلطة خلال حياته . واذا لم تتبن كينيا والدول الافريقية الاخرى مبدأ المشاركة الذي يمنح الخاسر في الانتخابات جزءاً من النظام السياسي، ويعاقب الأحزاب التي تقوم بحملات انتخابية على الأساس العرقي، ويكافئ الاحزاب ذات المبادئ الجماعية ، فإن اعمال العنف التي شوهدت في كينيا يمكن ان تتكرر بلا نهاية. وتتألف معظم الدول الافريقية من خليط من الأعراق  و اللغات ، الأمر الذي يعقّد من قضية بناء الديمقراطية، لكنها ليست مستحيلة.

ومع ذلك فان معظم الأحزاب الافريقية تسيطر عليها مجموعات عرقية. وقلة من القادة الافارقة يحولون هذا التنوع العرقي في بلادهم الى نقطة قوة .

ورغم ان الافارقة ينظرون نحو الوحدة الافريقية، ويلومون الغرب الاستعماري والإمبريالية، الا انهم يسارعون دائماً الى لعب ورقة التعصب القبلي والعرقي. وحتى أحزاب المعارضة الافريقية فإنها تتشكل  على اساس عرقي . 

وتم التوصل في كينيا الى اتفاقية تقضي بالتخلص من التعصب العرقي الذي ادى الى مقتل 1500 شخص، وشرد اكثر من مليون شخص. وسيكون  كيباكي زعيم الحزب الوطني الموحد، في منصب الرئيس في حين ان رئيس حزب المعارضة راليا اودينغا، رئيس حزب الحركة الديمقراطية، سيعمل رئيسا للحكومة، ومن المهم ان تتعلم دول افريقيا من هذه التجربة.   
تويتر