أسطورة هوليوود بمنظور التحليل النفسي


يحاول الكاتب وإخصائي التحليل النفسي الفرنسي ميشيل شنايدر في كتابه الجديد «أحداث السنتين الأخيرتين من حياة مارلين مونرو» إعادة رسم ملامح أسطورة هوليوود المحبوبة، من منظور التحليل النفسي، انطلاقاً من شخصيات حقيقية وأحاديث ورسائل ومقابلات.


 ويركز شنايدر في كتابه المشوق الذي نشرته دار «الفجوارا الإسبانية» على الجلسات الأخيرة التي تلقتها مونرو خلال الفترة بين يناير 1960 و4 أغسطس 1962، للعلاج على يد أبرز طبيب نفسي في هوليوود، وهو رالف غرينسون الغامض.


ويطرح الكتاب الذي ظهر بالإسبانية الأسبوع الماضي، وأخذ حيزاً كبيراً في البرامج التلفزيونية، تساؤلات بشأن دور هذا الطبيب في وفاة مونرو، ولماذا تمنت أكثر الممثلات شهرة وجمالاً في العالم، الموت. 


يشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها هذا المؤلف، والمحلل النفسي الحائز على جائزة «ميديسيس» عام 2003 عن روياته «موتى خياليون» إلى بناء شخصيات روايته على أساس أحداث وأشخاص حقيقيين واستناداً إلى مســتندات موثقة.


ولكنه هذه المرة اختار شخصية فيها من السحر ، بقدر ما دار حولها من الجدل والإثارة، ولا تزال حياتها وتفاصيلها وحتى منديل استخدمته مرة، من القضايا التي تشغل الناس، فهي بالنسبة للكثير ماتزال اســطورة.


واكتشف الكاتب خلال أبحاثه قصة لقائها الجنوني رالف غرينسون، وقرر أن يتناولها في إطار كتاب. وعن هذا اللقاء يقول: «قصة مارلين وغريسنون أشبه بنقطة تواصل بين عالمين لم يكن مفترضاً أن يلتقيا، وقد أحدث لقاؤهما هذا تشـويهاً متبادلاً للتـفكير يصعب تصوره». ويضيف «أردت إعادة خلقه لكن سرعان ما أدركت أنه من أجل فهم الحقائق المتناقضة واكتشاف سرّ هذه العلاقة التي جمعت أبرز ممثلة في العالم وأكبر طبيب نفسي في هوليوود، بدت الرواية الوسيلة الوحيدة إلى تحقيق ذلك».


وأضاف «الجميع كانوا يعلمون أن مارلين كانت مدمنة مخدرات وكحول وأدوية. وهناك الكثير من الشهادات والحكايات المنشورة التي تؤكد ذلك». ويرى أن مارلين، الفتاة الريفية البسيطة، التي كانت تعرف من قبل باسم نورما جين، استخدمت صورة الشقراء البلهاء لكي تحمي نفسها، مع أنها لم تكن مثقفة، إلا أنها كانت ذكية جداً وكانت تحب القراءة كثيراً، خصوصاً كتب كافكا وريلكه ودوستويفسكي. وتزوجت الكاتب المسرحي آرثر ميللر. لكن مارلين كانت تلجأ إلى ذلك لتهرب من الصورة التي كانت تكوّنها عن نفسها لأنها لم تكن تريحها مطلقاً، وربما كانت السبب الرئيس في القضاء عليها، لذا يقرّ الكاتب بأنه يستخدم كثيراً المرآة والزجاج في الرواية، «إشارة الى الانعكاس المستمر لصورة المرء».


وقد لجأ شنايدر إلى ما سجلته الممثلة قبيل موتها لغرينسون من أجل تأليف روايته، حيث إن مونرو لم تكن تحتمل الذهاب إليه والتكلم معه، عندما اقتربت من النهاية، لذا فضلت تسجيل ما لديها على شريطين. ويعترف شنايدر أنه يشك في صحة هذين الشريطين، لأنهما في نظره «يتماشيان مع ما يحاول رالف غرينسون اثباته، أي أن مارلين لم تنتحر ولم تِقتل، بل حدث تفاعل بين الأدوية التي وصفها لها غرينسون والمخدرات والأدوية التي كانت تتناولها سراً».


ويتابع شنايدر أن كتابه لا يجيب عن سؤال يتعلق بالحقيقة، بل يدخل في مفهوم المصير، بشكل تراجيدي إذ إن مارلين ماتت، في حين بدا ظاهرياً أنها حلت جميع مشكلاتها خلال الأيام الأخيرة التي سبقت اختفاءها. وبالنسبة إليه،كان موت مارلين «جريمة من دون قاتل»، وسببه الاندفاع اللاإرادي في اتجاه الموت الذي كان يسكنها.


أما في ما يتعلق بعلاقة غرينسون بوفاتها، ففي نظره أن هذا الأخير كان كريماً جداً مع الممثلة وأعطاها الكثير، ولكن في الوقت نفسه كان يحب المال والشهرة والسلطة، وكانت مارلين أكثر النساء شهرة في العالم. ويصف الكاتب هذه العلاقة تحديداً بـ«قصة حب بلا حب»، فبرغم التنافر بينهما، لم يكن أحدهما ينفصل عن الآخر، وفي النهاية، كانت مارلين ترى طبيبها سبعة أيام في الأسبوع، ولم يعد لديه مرضى آخرون.


ويحلل الكاتب عبارة «حب بلا حب»، بأنها تعني غياب أي علاقة بين الاثنين، مع أن مارلين كانت تغريه باستمرار وتتحدث إليه عن عشاقها وتفاصيل حياتها. وفي حين يؤكد البعض «أن التحليل النفسي هو من قتل مارلين»، يرى شنايدر أنه على العكس أسهم في إطالة حياتها أربع سنوات، لأنها حاولت الانتحار في وقت سابق.


ولكنه في الوقت ذاته لا يستبعد فكرة أن يكون قد حول مرضها النفسي جنوناً، إذ إنها كانت غير متوازنة ومدمنة، وكان غرينسون نرجسياً قلقاً على صورته، وقد ولد لقاء هذين المريضين جنوناً كبيراً. ويعد كتاب شنايدر أشبه بتحذير من أخطار التحليل النفسي، فهو يشدد على فكرة أن هذا النوع من العلاج لا يسمح بحل المشكلات، وأن المرء يعرف حقيقته بذاته، ولا يحتاج إلى زيارة معالج نفسي لسنوات عدة من أجل اكتشافها.

تويتر