هذان مصطلحان مختلفان، لكن كثيراً ما يحلّ أحدهما مكان الآخر، ويسرق معناه. فحين نقول«التطهير» في الوقت الذي نعني«الإبادة»، نكون منحنا مصطلح «الإبادة» معنى جديدا مغايرا في السياق.
ما يفعله العدو الصهيوني في غزة يدخل في باب«الإبادة» الجماعية، لكن كثيرا من وسائل الإعلام تستخدم مصطلح «التطهير» في إشارة إلى الإبادة الجماعية المنظمة والممنهجة التي يمارسها العدو مع أهلنا الفلسطينيين. المشكلة هنا، هي أن وسائل الإعلام العربية، تقع في الخطأ من دون قصد. فهي كثيرا ما تستخدم مصطلح «التطهير» الذي يستخدمه العدو. وهو ما يحتاج إلى وقفة تأمل ثقافية إعلامية متأنية. ربما تتطلب عقد ورشات عمل وتنظيم ندوات ومحاضرات لتبيان المصطلح الدقيق الذي ينبغي للوسيلة الإعلامية استخدامه في موقعه الصحيح، لا في موقع ملتبس. «الإبادة» الجماعية، هو المصطلح الذي يحمل جوهرا عدوانيا، يتمثل في عنصرية فجة. وإذا دققنا في المعتقدات الصهيونية، القائمة على قناعات توراتية، لرأينا هذه العنصرية في أوضح تجلياتها. فثمة رب(يهوه) يخصّ مجموعة صغيرة من البشر، ورغم ذلك فهو يؤكد لهذه المجموعة أنها شعبه المختار.. أي أنه اصطفى هذه القلة القليلة من بين الخلق كله، ليخبرها أنها هي الأفضل والأحسن والأعلى والأجدر بالبقاء. فلماذا يخلق بقية الخلق إذن؟ لكي تقوم القلة القليلة باستعباد البشرية. باستباحة البشرية كما يحلو لها.. السرقة والقتل بإذن من«يهوه» طالما كان المستهدَف من غير شعب الله المختار.. أي من «الغوييم»! ليست المشكلة معقدة أو غامضة مع الغرب. فالغرب هو الذي قاتل من أجل إقامة كيان عدواني عنصري في المنطقة العربية، لأكثر من سبب. الغرب هو الذي استخدم «التطهير» مصطلحا وواقعا، لا في أفران الغاز، بل في تطهير أوروبا من الوجود اليهودي، عبر إقامة هذا الكيان العنصري في فلسطين، وترحيل اليهود إليه، من دون إتاحة المجال أمام تفكير عقلاني. فالتفكير العقلاني يقف بالضرورة عائقا أمام تنفيذ هذه الأفكار الغريبة.. أن تترك وطنك في بولندا أو روسيا وفرنسا مثلا، حيث ولدت أنت وآباؤك وأجدادك، كي تأتي إلى عالم مضطرب، تقاتل أناسا لا تعرفهم ولم يسيئوا إليك، فتقتل وتقتل، وتظل حتى اللحظة غير قادر على الشعور بلحظة أمن وسلام واحدة. ومتى؟ بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية، واندحار النازية التي شكلت عدوك الأول. وإعادة بناء أوروبا من جديد، على أسس مختلفة!
الآن، وبعد الصدمة التي أخذت تتبلور في أشكال عدة من الخوف والاغتراب وفقدان الأمل، يشعر الكثير من الصهاينة أنهم أمام خيارين فقط: إبادة الفلسطينيين إبادة جماعية تامة، أو الرحيل عن هذه الأرض. ولأن الغرب يتخوف من فكرة عودة اليهود إلى بلادهم، بما يمثله ذلك للغربي من ذكريات أليمة وسيئة، فإنه يدعم فكرة الإبادة هذه، محاولا التخفيف شكليا من المعاناة الفلسطينية التي تترتب عنها. والتخفيف هذا لا يتعدى بعض أشكال المجاملة الكلامية، إضافة إلى التعامل مع بعض الحالات الفلسطينية بشكل حضاري.. تماما كالإعلام الأميركي الذي أبهر الأميركيين، بالإعلان عن أن كلبا عراقيا وجد بيتا له في أميركا!
damra1953@yahoo.com
|