عزيزة علاوي: الفنان العربي مجهول

 

عاشت سنوات حياتها الأولى في بلدها المغرب، واختارت الاقتراب من الثقافة الفرنسية عبر الالتحاق بالمدرسة الفرنسية، ثم سافرت الفنانة التشكيلية المغربية عزيزة علاوي إلى ألمانيا لتتعمق في الألمانية والإسبانية بحكم مزاجية المبدع المتقلبة، قبل أن تتزوج بمكسيكي يقودها إلى رحلة إقامة طويلة في المكسيك بدأت منذ 15 عاما، وكان لها أثر كبير في تكوين اتجاهها التشكيلي الذي يصعب حصره ضمن تأثيرات مدرسة بعينها.
 
«الإمارات اليوم» التقت علاوي التي شاركت في أكثر من 40 معرضاً ما بين جماعي وخاص، على هامش معرضها الشخصي الأول لها في دبي، في صالة أرت سبيس بفندق المروج روتانا، الذي يستمر حتى الـ10 من أبريل الجاري، في حوار خاص حرصت في بدايته على تأكيد أن «الإشكالية الأساسية التي يواجهها الفنان التشكيلي العربي لا ترتبط بمدى امتلاكه لأدواته الفنية أو فرادة إبداعه، بل تعود إلى عدم وجود فرص واضحة توصل ما بين إبداعات التشكيليين العرب من جهة وبين متذوقي الفن التشكيلي في الغرب بشكل عام»، مؤكدة أن «الفنان العربي مجهول تماماً رغم دعاوى الأجندات الثقافية المتبادلة بين دول هنا وأخرى هناك».

 

 «سراب»

وفي هذا الإطار قالت علاوي إنها اجتهدت عبر إقامتها في المكسيك من أجل التعريف بالتشكيلي العربي مؤكدة أنه «لا موقفَ مسبقاً تجاه الفنان العربي كما تسعى بعض الأوساط الثقافية لتصويره، لكن الواقع يشير إلى سوء، وربما فشل، في جوانب التعريف بقدرات هذا الفنان، وهو ما دفعني لتسخير جهودي من أجل إقامة معرض تشكيلي بعنوان «سراب» يحتفي بأعمال الفنانين العرب، وتمت دعوة 20 فناناً من أقطار عربية مختلفة، فضلاً عن استضافة أعمال لفنانين شرقيين مرموقين مثل الفنانة الباكستانية فرحانة خان، وحسين ماضي من لبنان، وعادل الشيوي وأمل كناوي وفتحي حسن من مصر، و حسن مسعودي من العراق، وجعفر خالدي من فلسطين، وفؤاد الأمين وشقيقي أمين علاوي من المغرب ، واستمر المعرض مستقبلاً مرتاديه الذين لم ينقطع عنهم الحماس للتعرف عن قرب إلى بعض نماذج من الإبداع التشكيلي العربي على مدار ثلاثة أشهر بدءاً من نوفمبر وانتهاء بفبراير الماضي».

 

ابنة العالم

لكن علاوي رغم ذلك لا تدعي أنها تنصّب نفسها لدور الوصي على إيصال القيم الجمالية في التشكيل العربي في الغرب لأنها تؤكد: «للمواطنة مفهوم مختلف في مخيلتي، فأنا مغربية المواطنة، عربية كاملة الهوية، وهو ما أحرص دائماً على تأكيده في جميع المحافل الفنية، لكنني في الوقت نفسه عالمية الانتماء، فلا أستطيع أن أدعي التملص من قيم الثقافة الفرنسية التي ترعرعت على مبادئها، ولن أتمكن من ادعاء عدم إخلاصي للثقافة الألمانية التي أحمل جنسيتها، كما أنني في الوقت نفسه يربطني بالمكسيك، بعد 15 عاماً من الإقامة وإنجاب ثلاثة أبناء من زوج مكسيكي، إحساس المواطنة أيضاً، دون أن يعني ذلك أن هناك مكاناً في هذا العالم لا يمثل بالنسبة لي وطناً، فالإمارات التي أتردد عليها بين الحين والآخر هي كذلك بالنسبة لي، وأيضاً انجلترا حيث يستقر أخي، والصين التي تزوجت أختيمن أحد أبنائها، وحتى دونما أي علاقة مباشرة فإن الشعور الذي ينتابني دائماً كفنانة أنني ابنة» العالم.

 

 إشكالية عالمية

ومن منطلق عالمية انتمائها، امتد الحوار مع علاوي ليتخطى إشكالية التشكيلي العربي خصوصاً، إلى إشكالية الفنان التشكيلي عموماً حيث قالت: «هناك أزمة أفرزتها اتجاهات الحياة المعاصرة بكامل تعقيداتها التي ساهمت في تفاقمها الأنماط الحياتية المفرزة من تيار العولمة، وهي تضاؤل فرص التأمل والركون الهادئ إلى منهل أي إبداع حقيقي، وهو الطبيعة، فمهما اختلفت المدارس والاتجاهات التشكيلية سواء صرح منتموها باهتمامهم بالطبيعة أو لم يفعلوا، فإن التكوين الوجداني للفنان التشكيلي يتشكل بالأساس من مقدار تشبعه بجماليات عناصر الطبيعة والكيفية التي يتفاعل بها معها».

 

وأضافت علاوي : «الإنسان ذاته هو  أهم عنصر من عناصر تلك الطبيعة، ومن هذه الرؤية تنبثق كل الإبداعات التشكيلية في فن «البورتريه»، فالإنسان مطالب أولاً بأن يتأمل بعمق في ملامحه هو ليغوص في أعماقه وكوامنه النفسية، قبل أن يحاول التعرف إلى ما يحيط به، لذلك نجد فن البورتريه في علاقة تضاد دائم مع بعض الاتجاهات المعاصرة التي يمثل أحد أخطر مهددات طغيانها إلى تشييء الفن التشكيلي أو ارتباطه بالغلاف الخارجي لمحاور الإبداع بدلاً من التعرف إلى أسرارها من خلال الغوص في أعماقها ».

ويضم معرض علاوي الشخصي القائم حالياً بدبي 40 عملاً جميعها استخدمت فيها الألوان الزيتية، ولجأت في بعضها إلى رصد بورتريهات تشير ملامح أصحابها بالفعل إلى انتمائهم لثقافات متباينة، في الوقت الذي لجأت فيه، عبر أعمالها الأخرى، إلى رصد مفردات طبيعية بعينها كما هي الحال في لوحات«الشجرة السوداء» و«الشلال» و«شروق الشمس» و«المتاهة»، «البحيرة الزرقاء»، على نحو يوحي بأن الطبيعة في فرشاة علاوي ليست تلك الطبيعة التي تصورها المدرسة الكلاسيكية في حال من التفاعل اللوني والعاطفي، بل هي مفردات مجزوءة تبقى مشوبة بحال من التشويه الخارجي ،وهو تحول عبرت عنه علاوي في تضاد لوني صارخ كان الأسود طرفاً أساسياً فيه،  ما بين الأخضر والأسود، والأصفر والأسود، والأخضر والأسود .
 

أنا عربية

رغم تشديدها على أنها، حسب وصفها، «ابنة العالم» بسبب ارتباطها بثقافات متعددة وإقامتها في المغرب وفرنسا ثم ألمانيا، قبل زواجها واستقرارها بالمكسيك لمدة 15 عاماً، وترددها على دبي ولندن وبكين بشكل دائم حيث يستقر بعض أفراد عائلتها، إلا أن الفنانة المغربية عزيزة علاوي تؤكد «انتمائي العربي هو بوابة تميزي بالمكسيك، فالتوق إلى معرفة اتجاهات الآخر العربي هناك شديد، والبحث عبر التشكيل عن أخبار أخرى آتية من الشرق، لا يُشم منها رائحة الدم، قائم لكنه في الغالب بحث فاشل لغياب الفنان العربي، لذلك أُصدِّر أي معرض أشارك به هناك بإشارة واضحة إلى هويتي العربية».

 

 أعرف «الريس»

 على تناقض من دعوتها لمزيد من بذل الجهد في سبيل تعريف الأوساط الثقافية في الغرب بالفنانين التشكيليين العرب، وقعت علاوي في تناقض غريب حين فشلت في تذكر أسماء أي من الفنانين التشكيليين الإماراتيين، رغم أن هذا المعرض هو الثالث لها في الإمارات، باستثناء عبد القادر الريس مضيفة : «أعرف فقط الفنان الإماراتي عبد القادر الريس، لأن معظم من التقيت بهم خلال زياراتي للإمارات هم فنانون مقيمون» مشيرة إلى أنها رغم ذلك فشلت في الاتصال بأي فنان إماراتي من أجل المشاركة في المعرض الذي نظمته من أجل تعريف المكسيكيين بالإبداع التشكيلي العربي بعنوان (سراب)».

تويتر