اعرف صديقك
إن كان «الاستشراق» في جوانبه الفنية والأدبية قد أساء إلى الشرق العربي في إبرازه لعالم الحريم والرقيق وسطوة الرجل الشرقي، فإن الإساءة الأكبر تكمن في الكتابة المضادة؛ وذلك لأن هذه التهم مجتمعة كانت موجودة في بعض عصورنا كما أنها كانت موجودة في عصور الغرب على حد سواء رغم تباعد الحقب الزمنية. لا أحد يستطيع أن يمنع الغرب من بعثرة أوراقنا ولا أحد يستطيع أيضاً أن يوقف أي حملة عربية فكرية استغرابية معاكسة لبعثرة أوراق الغرب وفردها على طاولة البحث العلمي لرسم الوجه الغربي بجماله وقبحه بدلاً من الوقوع في فخ الدفاع عن النفس الى الأبد. لكن المشكلة هنا سيادية ومالية،
وتكمن في أن الدول الغربية ومعها الطبقة الاستقراطية كانت تؤمّن ميـزانية لفعل الاستشراق وتدفع عرباته وسفنه دفعاً الى مغامرة البحث العلمي ليـس من أجل «المعرفة» فقط وإنما من أجل ابراز نقاط الضعـف والقـوة في جسـد الشـرق المريض الذي كان الغرب كله يتخوف من تعافـيه فجـأة وعودته الى تماسكه وفتوحاته التي وصلت الى أبوابه ذات يوم،
أما نحن فلا ندفع شيـئاً بل إننا ندفع الكثير من أموالنا المهدورة في سبيل اعاقة البحث العلمي وتهجير الحالمين به وكأنه الخصم الوحيد لنا. نتحدث كثيراً عن مناوأة الاستعمار، وحين ينظر الغرب الى أحواله قبل قرون يتحدث ايضاً عن هذه المناوأة، وهذا يعني أن الفرق بيننا وبينهم يكمن في استثمار الخطاب السياسي أو الديني في الحملات المتجهة الى الشرق أو الغرب وتثقيف نواياها سواء كانت استعمارية أو دينية،
وهنا نستذكر مغزى ما قاله ادوارد سعيد حول أميركا حين أكد أن «قوة الامبريالية حققت حضورها في جوانب ثقافية واقتصادية قبل أن تحقق وضعها العسكري أو سياساتها الخارجية». ومن هنا يمكن لنا ومع أي نظام عربي منفتح أن ندرس مثلا،ً
كيف تخلصت الهند من الاستعمار وليس فقط الاقرار بتخلصها منه في عام 1947؟ وهذا ينطبق ايضاً على فيتنام التي لا نعرف إلا وجهها المقاوم للاستعمار المتمثل في الخلايا المقاومة ولا نعرف المراحل التي أدت الى انتصارها، اضافة الى اننا لا نعرف ولا نريد أن نعرف كيف صارت اليابان قوة اقتصادية عظمى بعد الحرب العالمية الثانية، أي بعد الهزيمة مباشرة.
كلنا نعرف عن مرحلة «البندقية»، ولكن ما يجب أن نعرفه يكمن في مرحلة ما قبل «البندقية».
فالبندقية في يد العارف تختلف عن «البندقية» في يد الجاهل. والبندقية في يد المؤمن بعدالة قضيته تختلف بالضرورة عن البندقية في يد المأجور أو الأزعر، وكذلك البندقية في يد من يصنعها لا «تردف» ولا تصير قطعة خردة من سوء الاستعمال.
«اعرف عدوك»، عبارة قديمة ولكن يمكن أن تنقلب في رمشة عين الى «اعرف صديقك»، وعلى هذه الانقلابية يتوجب علينا جميعاً أن نعرف كيف نتعامل مع المكر الذي يتجول مزهواً بين هاتين العبارتين.
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news