حول «الفيلم السياسي»

قيس الزبيدي

هل الفيلم السياسي مقولةجمالية خاصة، أم مقولة فنية تعكس سمات عامة صيغت خلال تطور السينما؟ وهل هو قابل للإنتاج في كل مكان؟ إن الإجابة عن أسئلة كهذه يمكنها أن توضح ظاهرة «الفيلم السياسي»، خصوصاً ونحن نواجه آراء عديدة، تجد كل فيلم سياسياً، كما توجد آراء أخرى تجده فقط، الفيلم الذي يتناول مادة سياسية. فما مادة الفيلم السياسية؟

«يتحدد تعريف السياسة بعلاقتها فقط مع الصراع الاجتماعي من أجل السلطة (...) من أجل استخدام نفوذ الدولة وحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية».

نستطيع أن نقول مع بريشت، وهو يتحدث عن شروط إمكانية قيام «المسرح السياسي»، إن فيلماً كهذا يتطلب: «بالإضافة إلى المستوى التقني المعين، حركة قوية في الحياة الاجتماعية، تعينها المناقشة الحرة لمشكلات الحياة بهدف تجاوزها، حركة قادرة على أن تدافع عن هذه المصلحة ضد كل الاتجاهات المضادة»،

هذا يفسر، من جهة، ظاهرة تطور «الفيلم الثوري» بأشكاله الأولى في الاتحاد السوفييتي «الأم» لبودوفكين- 1926، «وعشرة أيام هزت العالم» لإيزنشتين- 1927، كما يفسر، من جهة أخرى، ظاهرة «الفيلم البروليتاري» في ألمانيا، في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات، حينما تصاعد تأثير الحركة العمالية الثورية في الحياة الاجتماعية: «لمن يعود العالم؟» لدودوف وبريشت-.1932

أما في ايطاليا، فثمة وقائع اجتماعية أفرزت مفهوم «الفيلم السياسي» بشكله الجنيني الأول، مع بداية الواقعية الجديدة: «روما مدينة مفتوحة»- 1945 و«بايسا»-1946 لروسلليني،

ومن ثم ترسخت الظاهرة مع فيلم «سلفاتوره جوليانو»-1962 لروزي، في النصف الثاني من الستينات، مع بروز الحركة الشعبية الديمقراطية، المنظمة والفعالة، وأصبحت حركة سينمائية انتشرت في بداية السبعينات.

كان الإنتاج السينمائي السائد في ايطاليا إنتاج سينمائي تجاري مبتذل، نحو 90% من الـ200 فيلم المنتجة سنوياً هي أفلام لصوصية على الطريقة الإيطالية، أفلام جنس. رعب. رعاة بقر. ويصرح إليو بيتري، مخرج فيلم «الطبقة العاملة تذهب إلى الجنة»-1971، في عام 1973 لمجلة «سينياست»: «يجب أن نضع في اعتبارنا أنه بين كل 200 فيلم أو 300 فيلم لا يوجد أكثر من فيلمين أو ثلاثة أو أربعة تحمل مضموناً اجتماعياً، أما الباقي فهو قصص عاطفية أو «وسترن» أو جريمة».

لقد استطاع الإنتاج في ايطاليا أن يسير ضمن خطوط متعرجة، ليلائم بين مادته السياسية، التي نشأت كردة فعل للحاجة الاجتماعية، وبين طبيعة الإنتاج التجارية، وقاد هذا الوضع إلى ظهور أنواع نسبت إلى «الفيلم السياسي» تواجداً درامياً متكافئاً لمادة بوليسية أو نفسية مع مادة سياسية وفق معالجة تقوم على حبكة التشويق وتطوير اللحظات الدرامية المهيجة للأعصاب.

غير أننا نتعرف إلى تقاليد الفيلم «السياسي» الصرف، في الأفلام، التي عالجت وقائع فعلية، وأعادت تركيبها وفق بناء درامي ملحمي، ووفق عناصر أسلوبية تسجيلية، «الأحد الدامي»-2001 لغرينغراس، أو حينما اعتمدت في معالجتها على وثائق مصدرها أرشيف الفيلم الوثائقي،

«ساكو وفنزيتي»-1971 لمونتالدو، «أو ج.أف.كندي»- 1991 لأوليفر ستون، الذي ابتكر في فيلم «نيكسون»-1995 معالجة درامية سيكولوجية داخلية لسقوط رئيس الولايات المتحدة المأساوي. alzubaidi@surfeu.de

تويتر