في دولة الإمارات وبسبب وقوعها في مدار جاف، تبدو عملية تمييز فصول السنة أمراً صعباً نسبياً، إذ درج سكان الدولة على «القفز» بين فصلين لا ثالث لهما، فإما الشتاء وإما الصيف، ولا مكان قطعاً للفصول الحيادية (الربيع والخريف).
الأمر يبدو طبيعياً، وهذا ما اعتاد عليه الناس في هذه البلاد وكيَّفوا أوضاعهم تجاهه، لكن عندما يختفي (فصل) بأكمله في بلدان لها طقوس بائنة في الانتقال السلس بين الفصول، فإن في الأمر مدعاة لأكثر من تساؤل. في بلدان شرق المتوسط اختفى فصل الربيع تماماً هذا العام، فقبل نحو 40 يوماً تناقلت وكالات الأنباء أخباراً وصوراً عن موجة برد ضربت بلاد الشام، حتى إن الثلوج غطت (مسجد القبة) في القدس لأيام عدة، لكن في الأسبوع الماضي بدأت درجات الحرارة تسجل مستويات قياسية في تلك المناطق إلى الحد الذي بدأ فيه الناس يشغلون أجهزة التكييف في المنازل ووسائل النقل. بطبيعة الحال فإن هذا (الاختفاء) لفصل الربيع الذي كان يمتد بين الشهرين والثلاثة، لن يخرج عن إطار التغيرات المناخية التي طفقت تصيب كوكبنا في السنوات القليلة الماضية. هذه التغيرات التي سببتها (الانبعاثات الكربونية) تباينت مظاهرها ما بين فيضانات ومواسم جفاف وذوبان ثلوج وانقراض أنواع كبيرة من الحيوانات والنباتات.
العالم المصري وخبير البيئة العالمي، الدكتور مصطفى طلبة، كان الصوت الأكثر حدة الذي ظهر أخيراً، عندما قال إن تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى نهاية العالم إذا استمر بالشكل القائم حالياً، وإن ذلك إن لم يكن في نهاية القرن الحالي فسيكون في نهاية القرن المقبل؛ لأن ارتفاع درجات الحرارة المتوقع قد يؤدي إلى نضوب موارد الطعام مدللاً على ذلك بأن الحيوانات التي كانت موجودة من 60 مليون سنة في العصر الجليدي، ومنها الديناصور، انقرضت عند ارتفاع درجة الحرارة. وحدها إدارة بوش ترفض الاعتراف بأن الأرض دخلت فعلاً في طور من الانقلابات المناخية، وأنه ما لم تصادق الولايات المتحدة على الانضمام إلى معاهدة الحد من الانبعاثات الكربونية (كيوتو) باعتبارها أكبر دولة منتجة لها، فإن السنوات القليلة المقبلة ستكون حبلى بالعديد من التطورات في هذا المجال. مظاهر (السيناريو الأسوأ) بدأت تنسج خيوطها، زارعو اللوز في بلاد الشام تفاجأوا بنضوج ثمارهم في الوقت غير المعتاد، وفي الجانب الآخر من المعمورة فإن المشهد يبدو أكثر حدة.. مواسم الأمطار والجفاف المعروفة من عهود، بدأت هي الأخرى بالتغير، زارعو الأرز في جنوب شرق آسيا ضاقوا ذرعاً بكثرة الأمطار والفيضانات في غير موعدها، في حين يئس نظراؤهم في القارة السمراء من نزول الغيث، لا بل إنه في بلد مهووس بالحديث عن الطقس مثل بريطانيا فإن مدناً مثل غلوستر وأكسفورد كانت خارج تكهنات متنبئي المناخ بحدوث فيضانات فيها من النوع المدمر.
الأمر يتعدى موضوع التغييب الصريح لطقوس أصيلة في استقبال وتوديع المواسم هنا أو هناك، إلى كونه بات يشكل التحدي الأكبر أمام البشرية لمواجهة واحد من أغرب أقدارها.
safaa1971@yahoo.com
|