يترك الأمر للضـحك، والبقية تأتي، هذا تماماً ما يمـني المشاهد نفسه لدى حضور فيلم عادل إمام الجديد «مرجان أحمد مرجان»، الذي يعرض حالياً في دور العرض المحلية، ولعل هذه الأمنية سرعان ما تتحقق، حيث الأبواب مشرعة تماماً للضحك، وشد انتباه المشاهد وهو يتابع «الزعيم» يمضي من موقف مضحك إلى آخر أشد إضحاكاً، دون أن تفارق إمام الحقيقة الصارخة بأنه ما زال كوميدياناً استثنائياً، بعيداً كل البعد عن التهريج والهزل الذي يصدّر على أنه كوميديا، وتحديداً في هذا الفيلم الذي يأتي بمثـابة تأكيد إن كان المشاهد قد راوده أي شـك في ذلك في أفلام أخرى.
محور الفيلم الرئيس هو الفساد، والضحك من شدة الفساد المستفحل في الواقع المصري، وتسليط الضوء على شخصية لها مثيلات في بلدان عربية أو غير عربية، يقبض فيها رجل أعمال واحد على كل مشروعات البلد، يملك الماء والهواء والتراب، يصنع ويملك ويؤسس لكل شيء، هذا الفرد اسمه مرجان أحمد مرجان، وليكون بالتأكيد قد نشأ من العدم، وتنقل هنا وهناك وعاد بثروة لا تعرف إلا أن تنمو وتكبر وتبتلع كل شيء، نشأة مشبوهة، مفتوحة على كل التخمينات، لكنها بالتأكيد غير خالية من فساد. لا يخوض الفيلم في تلك التفاصيل، نستنتج ذلك من أول ربع ساعة في الفيلم، بدءا من الشارة التي تظهر فيها الأسماء على خلفية مصانع مرجان ومنشآته التي لا توفر شيئاً، وصولاً إلى أول جلسة يقدم فيها إمام «الشاي بالياسمين» كما سيتوالى ذلك في إشارة إلى الرشوة التي لا يستثني منها مرجان أحداً، ويتيح من خلال الرشاوى أن يكون كل شيء، شاعراً، لاعب كرة قدم، وعاشقاً، وطالب جامعة، وعضواً في مجلس الشعب، وكل ما يحلو له ما دام يدفع بسخاء، وما دامت العقبات التي تقف في وجهه لا تظهر إلا من جراء علاقته المتأزمة مع أولاده الذين يتشربون أفكاراً متنورة وتقدمية من الدكتورة جيهان (ميرفت أمين) حجر العثرة الوحيد في وجهه، كونه شبه أمي، ولا يعرف لغة إلا المال، إضافة لدرايته بمفاتيح النجاح في البلد المتمثلة في علاقة خاصة بالسلطة، أو كما يقول مرجان «بين الناس اللي فـوق، واللي تحت».
إذن صراع الفيلم الرئيس هو بين مرجان وجيهان، وذروة المواقف المضحكة تكون منذ بداية هذا الصراع، فمع إجماع الجميع والتفافهم حول جيهان وأفكارها التنويرية، فإنها لا تنجح في الوصول إلى مجلس الشعب، بينما مرجان ينجح، رغم أن أحداً لم ينتخبه، بما في ذلك أولاده، وفي بحث مرجان عن سبب نفور ولديه منه، وهو الذي قدم كل شيء لهم ومازال، يتوصل إلى أن يصير شاعراً فيأخذ جائزة الدولة التقديرية لأفضل عمل أدبي يشتريه من شاعر صعلوك يسميه «أكره نفسي» فيها قصائد مثل «الحلزونة.. التي دهست في ميدان التحرير»، هذا مثال عن أشياء كثيرة يفعلها مرجان لكسب احترام ولديه له، وصولا إلى قيامه بالدراسة في الجامعة التي يدرسان فيها، وهنا تصل المواقف المضحكة ذروتها، ونمضي مع مرجان للتعرف إلى ما يسود الحياة الجامعية من تغريب وسلفية، تياران لا ثالث لهما، إلا جيهان والقلة حولها، وحين يتمكن مرجان من شراء كلا التيارين، تبقى جيهان صامدة، لكن المضحك حقاً، وبالمعنى السلبي للكلمة، أن هذه الأخيرة تسقط هي أيضاً، ولكن عبر الحب. هذه النهاية خيانة لكل ما سبقها، وكل المقولات التي حاول الفيلم تقديمها، بحيث بدا أن تمكن مرجان من اجتياز امتحان الدراسة دون رشوة أو غش هو الكفيل بأن تغفر له جيهان كل ذنوبه وفساده، كما أن هذا الزواج ينقل الشخصية التي قدمها الفيلم من النموذج على اعتبار مرجان رمز الفساد العربي، وهو صالح بامتياز لذلك، إلى مستوى البطل المطلق، المصرّ دائماً وبتطرف أن يكونه عادل إمام، الذي لا يصلح ألا تتحقق رغباته بالكامل. يبقى أن نشير أن فيلم «مرجان أحمد مرجان» الذي كتبه يوسف المعاطي، وأخرجه علي ادريس، قريب من الشباب، من حياتهم، من ما يتنازعهم من أهواء وأفكار، وعليه جاء إمام محاطاً بأسماء شابة مثل أحمد مكي وبسمة وشريف سلامة، حاملا في الوقت نفسه هجائية لعلاقة السلطة بالمال، والمال بالسلطة، فكل شيء يهديه مرجان للسيد الرئيس «راعي الرياضة» «راعي الثقافة».. إلخ ، مع إضاءة للتناقضات السلفية، والنفاق الاجتماعي الذي يتسيد رؤيتها، التي تمشي جنباً إلى جنب مع الحلول الشبابية «الكوول» المتطرفة أيضا مثل حركات التطرف الإسلامي في أساليب عيشها. |