أقول لكم
لو كان التطور مرتبطاً بالملابس والشكل لما قصّرنا، سنخلع ملابسنا ونتركها معروضة في المتاحف للفرجة والذكرى، ونلبس «الشورت» إن كان دليلاً على التقدم والتطور، ونقبل بالسيقان تعبيراً عن الحرية للمرأة، عوضاً عن العقول، ونذمّ، في كل محفل، آباءنا وأجدادنا و«سـلسفيل» من سبقونا حتى نكون نجوماً في سماء الإعلام تُسلط علينا الأضواء، ويُشاد بنا في المنتديات، ونكسر «الراء» حتى نظهر تأثرنا بالفرانكوفونية، أو نبلع «التاء» حتى نكون قريبين من الأميركان، ونضخّم الحروف الخارجة من حناجرنا تشـبهاً بالطبقة الإنجليزية الراقية.
وماذا بعد ذلك؟ سنصل إلى القمر، أم سنغزو القطبين لنعرف أسباب تغيّر المناخ على الكرة الأرضية، أم سنكتشف أسرار الصناعة، أم ستكسو أراضينا حقول الأرز والقمح؟
وأقول لكم: القشور لا تصنع حضارة، ولو كانت تفعل ذلك لما رأينا اليابان بهذه القوة الاقتصادية الهائلة، تكتسح العالم بعد خروجها من حرب مدمّرة أزالت من الوجود لها أكبر مدينتين بعد طوكيو بقنابل ذرية، وأذلتها اتفاقية اسـتسلام مهينة، ولو كانت القشور هي سبب الانطلاق نحو التطور والتـقدم والـتحضر والريادة والتفوق والاحترام لما رأيتم شركات كوريا تبني المصانع في كل دول العالم، ومعها السفن والأحواض الجافة العملاقة والطرقات، ولو كانت اللغة الإنجليزية والملابس الكاشفة للعورات تبني الأمم لكانت الصين تقف، بكل جــدارة، في الصفوف الخلفية الدولية، فالمرأة اليابانية لاتزال تنتظر زوجها بإناء الماء الدافئ عندما يدخل البيت وهو عائد من عمله ليقيس حرارته قبل أن يغتسل، ومازالت المرأة الكورية تقف خلف الرجل ولا تتولى المناصب القيادية، حسب كلام وفد إعلامي كوري التقيته قيل أيام هنا، فهم لايزالون يعيشون أزمة المرأة والرجل، ولكنها لم تعقهم عن العمل، ولم يستطع أحد أن يجبرهم على جعلها قضية تحظى بالأولوية، وفي الصين المرأة تعمل جنباً إلى جنب مع الرجل، ولكنهم لا يجعلون منها صورة لزوم التزيين، ولأنهم لا يبحثون عن حضارة تقضي على قيمهم، أياً كانت تلك القيم، فهم يؤمنون بها، وبالتخطيط والفكر المسـتقل، والإرادة المبنية على الثقة، تحوّلوا إلى قوة مرعبة للدول المتقدمة دون أن يلتفتوا إلى القشور التي تغلّف الشكل العام من الخارج بصورة تخالف الداخل.
|
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news