صورة التقطتها في أعماق البحر
ولدت في بيت محافظ يعشق العادات والتقاليد، ظلت طوال حياتها تركض، لتثبت وجودها في مجال يحتكره الرجال، وعلى الرغم من المقاومة الشديدة التي صادفتها في مجتمع يؤمن أن هناك عالما للرجل، وآخر للمرأة، إلا أنها تحدت الجميع، ووقفت في وجه الأنواء والأعاصير، لتمتهن الغوص، وقادتها المصادفة إلى المهنة، التي اختارتها بإرادتها الحديدية، لتثبت وجودها وتصبح أول ضفدعة بشرية في الإمارات، في هذا العالم العجيب، لتواجه في حياتها كل يوم، مواقف صعبة لا تنسى.
فتحت مدربة الغوص الأولى في الإمارات، نوال ابراهيم(22)عاما، خزائن أسرارها، لتروي قصتها مع التحدي، قائلة «اقتحمت عالما كان حكراً على الرجل لسنوات طويلة، لذا فقد واجهت صعوبات من مجتمع لم يعتد أن يرى المرأة إلا من خلال مواقع معينة، مضيفة «أنها تحدت الجميع لتمتهن الغوص، وقادتها المصادفة إلى ما أحبته» .
وأضافت «فوجئت حين ظهرت بثياب الغوص على صفحات إحدى المجلات، باستنكار من أهلي، وكل من يعرفني، وحُرّم علىّ أن أظهر أمام الإعلام بثياب الغوص، رغم أنها لا تخدش الحياء، من قريب ولا من بعيد»، متسائلة «هل ظهور المرأة مسموح فقط بالعباءة، التي أعتز بها، كما أعتز بملابس الغوص أيضا». عادت نوال بذاكرتها إلى الوراء،إلى بداية قصتها مع الغوص تروي لـ «الإمارات اليوم» أن «رحلة الصعوبات بدأت منذ رفضت والدتي تلك المهنة، بدافع الخوف عليّ، والحرص، من مجتمع لم يعتد أن تتعلم المرأة مهنة ورياضة الغوص، لأنه مجتمع محافظ». مصادفة وزادت «أحبتت البحر منذ نعومة أظفاري، حيث كنت أرافق والدي في رحلاته البحرية، ولكن حين أصبحت في السادسة من العمر خطفه الموت، فكرهت البحر سنوات، ثم عدت إليه، بشكل مختلف، والمصادفة هي التي قادتني إلى مصير جديد»، مضيفة «مرة كنت أقود سيارتي، فاستوقفتني لائحة مكتوب عليها: نادي البوم للغوص، توجهت نحو النادي، خاطبت المدرب، وطلبت اليه أن يدربني فاستهجن الفكرة»، وتابعت حكايتها مع الطموح قائلة إن «التحدي والبحث عن التميز، هو الذي دفعني نحو هذا العالم، وربما تمنيت أن أكون رجلا». وواصلت الرد «الحقيقة أنني أمتلك روح التحدي، والبحث عن التميز، لذا فقد أحببت كسر حالة فقدان الأب، لأصبح فتاة تعيش عصر الاتصالات السريعة والانترنت، فقد استطاعت المرأة مشاركة الرجل في الوصول إلى الكواكب الأخرى، والغوص في أعماق البحار، لذا فإن هذه الظاهرة باتت عالمية، وبما أننا جزء من هذا العالم، فعلينا أن نظهر تميزنا بما نحبه، فالغوص علمني معنى التحدي والصبر والمغامرة». مشوار حول بداية مشوارها مع الغوص تقول «بدأت رحلتي مع الغوص في 24 ديسمبر عام 2005 في مركز الغوص في دبي، حيث يحمل هذا التاريخ بدايتي الحقيقية في احترافه، وفي يوم 6 يونيو عام 2006 تأهلت إلي مساعد مدرب، في المركز نفسه لأكون أول ضفدعة بشرية في الإمارات. وفي 7 يوليو العام الماضي حصلت على مدربة إسعافات أولية و ثانوية، واستمرت حياة التحدي، حيث حصلت في 24 نوفمبر الماضي،على لقب أول مدربة غوص في الإمارات، وعلى مستوى الخليج من منظمة بادي العالمية». أما عن نظرة المجتمع إليها، فترى أن «بعض الأشخاص يستنكرون فكرة الغوص للمرأة، والبعض الآخر، تظهر على وجوههم علامات الاستغراب، ولكن الكثير يشجعني ويشد من أزري، لذا فأنا أتعامل مع الزملاء في العمل بود واحترام». وعن وصولها إلى رتبة الضفدع البشري، وهي دورة خاصة بإنقاذ الغواصين، تقول«نجحت في إنقاذ زميل لي كان على وشك الغرق، رفعته إلى الأعلى وسحبته إلى الشاطئ، وأجريت له الإسعافات الأولية». وسردت يوما في حياتها قائلة «أعيش حياتي مثل طائر،أستيقظ في الصباح الباكر وكلي نشاط وثقة، وأتناول طعام الإفطار مع أسرتي، وأخرج لممارسة مهنتي، في مركز الغوص في دبي، دون خوف أو خجل، وأتعامل مع كل الناس بجدية، وهم يبادلونني الاحترام، ولم يحدث قط أن تعرضت إلى موقف سخيف، فكل الناس يحترمونني ويقدرون مهنتي». وتحدثت عن أحلامها، «لم تتوقف أحلامي لحظة واحدة، أتمنى أن أقوم بإنشاء مركز للغوص لخدمة البلد سياحياً، وإعطاء الفتيات دورات خاصة، لمن يحببن أن يلتحقن بمجال الغوص، أو من يرغبن بممارسة هذه الهواية».
ولفتت إلى أن الغوص «غير مألوف بالنسبة للمرأة، لكنه متأصل في أعماقنا، أما التصوير، فأنا أهرول حاملة كاميرا الفيديو، أو الكاميرا الرقمية، لألتقط الصورة التي تعكس الجمال، أو البؤس البشري، وأحلى اللحظات يوم أصور أعماق البحر، فالتصوير مهنتي الثانية، فأنا أجيد تصوير الفيديو، والتصوير الفوتوغرافي، إلى جانب الغوص».
صعوبات حديثها عن الصعوبات ذو شجون «إنها كثيرة، و يمكن أن توجد في كل المجالات، ولكن أهم عائق واجهته في بادئ الامر، هو الوضع المالي، لأن مهنة الغوص مكلفة جداً، ولكني استطعت التغلب عليها، وكنت أطمح إلى أن أصل إلى مرتبة أعلى، ولكن يتطلب ذلك المزيد من الدعم المالي، والذي لم أجده من اي شخص، أو مؤسسة طرقت أبوابها». وأضافت «لم تتوقف رحلتي مع الغوص، والتي كنت أعدّها مهنة، و هواية، وتجارة في الوقت نفسه». الغوص تاريخياً جاء اول وصف لعملية الغوص في ملحمة جلجامش البابلية عن زهرة الخلود، التي يعتقد الباحثون أن المقصود بها هو اللؤلؤ، واستدلوا على ذلك من وصف طريقة الحصول على الزهرة من قاع البحر، وأن جذورها ممتدة في أرضه، وأن الباحث عنها يستعين بحجر ثقيل لإيصاله إلى قاع البحر. ولو انتقلنا إلى الخليج العربي لرأينا اعتماد اقتصاده على مهنة الغوص، إذ كانت المدن والقرى المطلة على الخليج لا تعرف مهنة أخرى غير ركوب البحر، والبحث عن محار اللؤلؤ، وما يتصل بهما من نشاطات تجارية، بحيث أصبح الغوص جزءاً من الحياة اليومية، لما يشكله من مصدر رزق. وقد تشكل عن رحلة الغوص ما يسمى بالغناء البحري والذي ارتبط بالدعاء، والتوكل والمواويل.
وكان النهام هو العنصر الرئيس القائد لجميع أشكال الغناء وألوانه، وأخيراً تضاءلت أهمية الغوص بوصفها مهنة وحيدة في العشرينات من القرن الماضي، وتحديداً بعد اكتشاف النفط، ليصبح نوعاً من الرياضة والمتعة.
|