كل شيء هادئ على جبهة ديفيد كروننبرغ
كل شيء هادئ على جبهة المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ، بعد النيران التي خرجت ألسنتها في فيلمه الأخير «ايسترن بورميسز» (وعود شرقية) والتهمت مساحة خاصة به، لها أن تتسع لامتزاج العنف بالخيال، ولتكون في «وعود شرقية» أكثر جنوحاً نحو اكتشاف عوالم جديدة، أو وعود لا يفي بها إلا من يسكنهم العنف، والوفاء للمافيا التي كانت في فيلم كروننبرغ روسية تتخذ من لندن منطلقاً لها.
هذا الهدوء الذي بدأنا به يمضي إلى تأكيد أن كروننبرغ لا يفكر بفيلم جديد، وللدقة لم يعلن بعد عن فيلم مقبل له، فهو كان قد سبق «وعود شرقية» بفيلم قصير حمل عنوان «عــــن انتحار آخر يهودي في العالم في آخر سينما في العالم»
ضمن مجموعة أفلام قصيرة أخرجها 33 مخرجاً حول العالم، يروي فيها كل واحد منهم أحاسيسه ومشاعره تجاه السينما، ليكون فيلماً واحداً مدته 100 دقيقة تناوب على إخراج كل قسم فيه واحد من أولئك المخرجين، حيث شارك إضافة لكروننبرغ كل من كين لوتش، ويوسف شاهين، وعباس كياروستامي، ورومان بولانسكي، وغيرهم من أسماء مضيئة في عالم السينما اليوم.
هذا الفيلم القصير سبقه كروننبرغ بفيلم حمل عنوان «هيستوري أوف فايلونز» (تاريخ العنف) الذي يصلح أن يكون عنواناً لمعظم أعمال كروننبرغ، الذي يكتب ربما بحرفية عالية تاريخاً سينمائياً للعنف، على اعتباره، والاستعارة هنا من الفيلم نفسه، يمشي في العروق،
يتدفق مع الدم، مثلما هو الحال مع توم (فيغو مورتنسن)، الذي نكتشف بعد إقدامه على عمل يبدو في البداية بطولياً، أنه وريث سلالة من العنف المستندة إلى قوة خارقة، بوصف هذا العنف شيئاً يسكنه ولا يملك حياله أن ينجو من المصائر التي يرتبها أمامه، وكذلك الأمر مع ابنه.
لمارتن سكورسيزي رأي بخصوص كروننبرغ، لي أن أستعيده هنا، وقد سبق لي أن فعلت، فحين شاهد سكورسيزي أفلامه أعرب عن خشيته من لقاء هذا المخرج، ولعله كما يروي كروننبرغ شاهد فيلميه «شيفرز» 1975 و«رابيد» 1977
الأمر الذي أثار استغراب كروننبرغ حينها إذ إنه مازال على إيمانه الراسخ بأن المخرجين الذين يصنعون أفلاماً عنيفة ليسوا بالضرورة عنيفين، وليتعدى الأمر العنف مع هذا المخرج إلى ما يمكن تسميته الهوس بالمزج بين العنف والجنس والخيال العلمي،
رغم أنه لا يفضل استعمال كلمة هوس في المواضيع التي تحملها أفلامه، فالهوس أمر آخر بالنسبة لكروننبيرغ، وهكذا فإنه ومن خلال ما تقدم يمكن اعتبار كل توصيف لسينما صاحب «الذبابة» يقابله رفض منه،
إلا انها وإن أزلنا كلمة هوس تتمحور حول الثالوث سابق الذكر، ومساحته الحيوية تدور في فلك أناس يتحولون، وآخرون يكتشفون معادلة في تركيب الدم الإنساني تغير سلوكياتهم.
يمكن للمتابع لأفلام هذا المخرج أن يمارس لعبة لطيفة، لها أن تكون بتخمين ما سيقدمه في جديده الذي مازال مجهولاً،
هل سيكون عن أحد يتحول إلى كائن خرافي، في تحوير لتلك الذبابة العملاقة التي يتحول إليها العالم في فيلم «ذا فلاي»، وما الذي ستتحول إليه أشياء مميتة؟ هل ستصير إلى مسرح للذة والاحتفاء بدل أن تكون مصدراً للأسى والفقد والفاجعة؟ مثلما فعل في فيلمه الشهير «كراش»
حيث تحولت حوادث الســــيارات إلى فعل «ابروتيكي» مدمر، أو كما يرد على لسان شخصيات الفيلم «الحوادث مثمرة وليست مهلكة»، وفي سياق آخر يقول فوغان إحدى الشخصيات المجنونة «لطالما حلمت بقيادة سيارات مهشمة ذات تاريخ، مثل فولسفاغن ألبير كامو، وبورش جيمس دين».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news