صراع زيمبابوي يتجه إلى صفقة تنازلات متبادلة

 
يطالب حزب زانو الحاكم في زيمبابوي برئاسة الرئيس روبرت موغابي، بإعادة فرز الاصوات. في الوقت الذي تقول فيه المعارضة، ممثلة في حزب «الحركة الديمقراطية من اجل التغيير»، إنها فازت في الانتخابات الرئاسية التي بدأت الشهر الماضي، وان مرشحها مورغان تسفاغراي-زعيم الحزب- حصل على 50.3% من الاصوات في الجولة الاولى، على الرغم من عدم اعلان النتيجة رسميا بعد ايام عدة من انتهاء العملية الانتخابية.


 واعترفت لجنة الانتخابات بان حزب زانو فقد اغلبيته البرلمانية، وفي هذه الاثناء بدأ موغابي  استعادة سيطرته، التي يبدو انه فقدها الاسبوع الماضي، معتمدا على نفوذه التاريخي.


 فبعد  اجتماع دام خمس ساعات  عقده حزب زانو في الرابع من  الشهر الجاري، قرر الحزب مساندة موغابي من أجل جولة ثانية من الانتخابات.


 وتزعم المعارضة، ان مؤيديها في المناطق الريفية تعرضوا للهجوم من قبل الميليشيات الموالية للحكومة، وتطالب المحاكم باجبار لجنة الانتخابات على اعلان النتيجة، وتتهم الحكومة بانها ترغب في فرض حالة الطوارئ.


ويبدو ان هناك صفقات تجري في الخفاء بين الحكومة والمعارضة من اجل الوصول الى حل وسط، و دعا دبلوماسيون اقليميون موغابي إلى التنازل، الا ان بعض القادة الافارقة، من ضمنهم الرئيس التنزاني جاكايا كوكويتي الذي يترأس الاتحاد الافريقي ايضا، يقول ان موغابي لم يستجب لتلك النداءات.


 ويصمم على مواصلة المشوار حتى النهاية، على الرغم من ان حزبه منقسم على نفسه في هذا الشأن.  ويلعب موغابي مرة اخرى بورقة الاراضي الزراعية، حيث تروج صحيفة الهيرالد، الموالية للحكومة، ان الاراضي الزراعية التي انتزعتها الحكومة من البيض ستعاد اليهم اذا ما فازت المعارضة في الانتخابات الرئاسية.


وحتى الآن لا احد يعلم الى متى ستتكتم لجنة الانتخابات على النتيجة. ويعتقد  محللون سياسيون «أن أي فرض لحالة الطوارئ يعني الغاء الانتخابات.


 وان اي جولة ثانية ينبغي ان تبدأ بعد ثلاثة اسابيع من بداية مثيلتها  الاولى»، ولذا فمن المرجح تأخير الجولة الثانية لتسعين يوما ليفسح المجال امام حزب موغابي ليستعرض عضلاته ويفرض سيطرته على الناخبين، لا سيما في الارياف.


 ويبدو ان لا شيء امام موغابي اذا ما اراد الاحتفاظ برئاسة البلاد سوى مزيد من العنف وتزوير الانتخابات. تحاول المعارضة طوال تسع سنوات اقصاء موغابي عن رئاسة البلاد من خلال صنادق الانتخابات.


وتعرض زعيمها مورغان للسجن والضرب، و الاتهام بخيانة البلاد، ولكن ماذا لو استطاع هذا الحزب الوصول لرئاسة البلاد؟ يقول الحزب ان اهم اولوياته هو انقاذ الاقتصاد ويتمثل ذلك في ايقاف طباعة المزيد من الاوراق النقدية من اجل استقرار سعر الصرف، وتقليص الانفاق الحكومي، ودعوة صندوق النقد الدولي لتقديم المساعدة، وفرض بعض التدابير الحكومية لحماية الفقراء.


وتقول المعارضة انها لن تعيد الى البيض جميع الاراضي المصادرة منهم، كما يتهمها بذلك موغابي، لكنها ستجري حصرا لتلك الاراضي. وتتحدث عن تعويض للمزارعين الذين انتزعت الحكومة اراضيهم منهم.


الا ان تسفاغراي، الزعيم النقابي السابق الذي لم يتلق تعليما كافيا، متهم بالأوتوقراطية داخل حزبه، فقد انشق حزبه عام 2005 بعد ان تحدى هذا الزعيم قراراً صادراً عن مجلسه التنفيذي وقرر مقاطعة انتخابات للمجلس التشريعي. بيد ان الانتخابات برهنت على ان تسفاغراي يلقى تأييداً من جماهير المدن والفقراء في الريف. 


ضغوط غربية على هراري 
قبل 25 عاما جاءت حركة تحرير زيمبابوي للحكم بعد كفاح طويل مع المستعمر البريطاني. وانتعشت الآمال بان يجلب الاستقلال معه نهاية للظلم الاجتماعي والتفرقة العنصرية التي مارسها المستعمر وتنعم البلاد بعدالة اجتماعية.


بيد انه ولسنوات عدة تبددت هذه الآمال بسبب الضغوط البريطانية والاميركية، واضطرار الحكومة الزيمبابوية ولفترة طويلة للحفاظ على نظام ملكية الارض الجائر الذي ورثته عن روديسيا العنصرية-الاسم السابق لزيمبابوي-والذي منح الاقلية البيضاء مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية الخصبة.


وعندما لجأ الرئيس الزيمبابوي روبرت موغابي لتأميم الاراضي الزراعية التي يملكها البيض وتوزيعها توزيعا عادلا بين ابناء شعبه، نعته السياسيون الغربيون ومنظمات حقوق الانسان ووسائل الاعلام الغربية بانتهاك حقوق الانسان والديكتاتورية.


وينظر اليه اليمينيون بانه منتهك لحقوق الانسان، مزور للانتخابات، يضطهد منافسيه السياسيين، فاسد، يسيء ادارة الاقصاد، ويراه اليساريون بانه يتحدث عن اليسار ويسير مع اليمين، وان خطبه المعادية للامبريالية ما هي سوى استجداء لعواطف شعبه.


وتستهدف هذه الحملات الغربية التي يؤججها صانعو القرار في واشنطن ولندن،تستهدف تغيير النظام الحالي برئيس آخر يستطيع رعاية المصالح الاميركية والاستثمارات البريطانية في زيمبابوي. 


تسمية زيمبابوي تمحو روديس  
قبل عام 1980 كانت زيمبابوي مستعمرة بريطانية تمت تسميتها بروديسيا على اسم الممول البريطاني، سيسل روديس، الذي استولت شركته، الشركة البريطانية الجنوب افريقية، على الاراضي الزراعية من السكان الاصليين، الماتابيل والماشونا، في تسعينات القرن التاسع عشر.


ومنح روديس الجنود البريطانيين الذين وضعوا ايديهم بالقوة على الارض نيابة عنهمنح كل واحد منهم تسعة أميال مربعة من الاراضي الخصبة، ولم يجنِ السكان الاصليون الذين بقوا على قيد الحياة، سوى الترحيل من اراضيهم، والفقر الطاحن، والبؤس والخنوع.


ومع بداية هذا القرن اصبح 70% من افضل الاراضي الزراعية يملكها 4500 فقط من المزارعين، معظمهم من البيض في بلد يصل تعداد سكانه إلى 13 مليون نسمة.  

  

صراع المزارع    
بعد كفاح طويل نحو التحرر من الاستعمار انعقدت مباحثات الاستقلال عام 1979 مع بريطانيا، وكانت هذه المباحثات كثيرا ما تصطدم بموضوع الاراضي الزراعية، بيد ان واشنطن ولندن اللتين تبحثان عن تسوية باي ثمن وافقتا على توفير الدعم المالي اللازم لنظام اصلاح اراضٍ شامل، بيد ان هذا الوعد لم يعش طويلا، فقد وجدت بريطانيا طريقة للتملص من هذا الالتزام، وسدت بذلك الطريق امام احد اهم اهداف الكفاح من اجل التحرر الوطني. 

يقول المواطن الاسود جورج شاير ان جده مهيبو مافاكيري اعتاد ان يفلح قطعة من الارض قبل ان يستولي عليها المستعمرون البيض بعد الحرب العالمية الثانية.


ويجادل شاير بان «التوزيع غير العادل للاراضي الزراعية في زيمبابوي هو احد الاسباب التي اشعلت جذوة التحرر الوطني ضد حكم البيض»، ويضيف «لجأت الحكومة الوطنية للبحث عن وسيلة تستطيع بها اعادة توزيع الاراضي»، الا ان ذلك يبدو صعبا مع انعدام اي تمويل وتقاعس من لندن.


ووجدت الحكومة نفسها تحت ضغوط هائلة من قدامى المحاربين الذين ملوا انتظار هذا الاصلاح الذي قاتلوا من اجله طويلا، ولهذا السبب لجأ موغابي إلى وسيلة تجعله يتصادم مباشرة مع الحكومات الغربية. ولهذا السبب اجاز تشريعا يخول الحكومة الاستيلاء على 1500 مزرعة يملكها الزيمبابويون البيض دون اي تعويض. وكما عبر عن ذلك وزير الخارجية الزيمبابوي السابق، ستان مودينغي فقد «انفتحت نيران جهنم».

 ولهذا السبب صار موغابي منبوذا من الدول الغربية، واصبح بين عشية وضحاها دكتاتورا، ومغتصبا للانتخابات، ومجرماً. وبسبب هذا الاسلوب السريع لاصلاح الاراضي الذي اتخذته الحكومة الزيمبابوية راى الاتحاد الاوربي انه حان الوقت لموغابي للرحيل باي وسيلة،  بواسطة المجتمع المدني، النقابات، المنظمات غير الحكومية، انتفاضة في الشوارع، او حتى انقلاب عسكري. 


روبرت موغابي 
 1980 اصبح اول رئيس وزراء للبلاد بعد الاستقلال عن بريطانيا. ويعتبر موغابي بطلاً في كفاحه الطويل من اجل حكم الاغلبية في المستعمرة البريطانية التي كانت تعرف باسم روديسيا.


 وحاول حكام الفصل العنصري في جنوب افريقيا اغتياله خلال حضوره احد الاحتفالات مع امير ويلز في محاولة منهم لغزو البلاد واعادة حكم البيض.  ديسمبر 1987: عدل الدستور ليصبح رئيسا، و ليحصل على مزيد من السلطات. 
فبراير 2000: امر مجموعة من المواطنين السود بالاستيلاء على مزارع البيض، وتسبب هذا القرار في فرار 600 مزارع ابيض، تاركين وراءهم  نصف مليون عامل اسود من دون عمل.
 يوليو 2001 : حذر وزير المالية، سيما ماكوني، من نقص مريع في الطعام بعد ان امتنع المانحون الغربيون من ارسال مساعداتهم الغذائية للبلاد احتجاجا على الاستيلاء على اراضي البيض.
 ابريل 2002: اعلنت زمبابوي حالة الطوارئ عندما هدد نقص الطعام بحدوث مجاعة في البلاد، والقى موغابي باللوم على الجفاف، ويزعم البعض ان السبب في ذلك يعود للاستيلاء على مزارع البيض.
 
 مايو 2006: وصل معدل التضخم الى 1000%، حيث تكلف اجرة التاكسي عبر العاصمة هراري اكثر من مليون دولار زمبابوي. 
 
مارس 2007: تعرض زعيم المعارضة مورغان تسفاغراي للضرب عندما هاجمت الشرطة احد اجتماعات حزبه. 

اغسطس 2007: استقبلت قمة الاتحاد الافريقي التي عقدت في زامبيا-استقبلت موغابي استقبال الابطال، وانعش هذا الاستقبال الآمال في استمالة موغابي نحو الاصلاح من قبل الرئيس الجنوب افريقي، ثابيو مبيكي وبقية الرؤساء الافارقة.

تويتر