"المقاطعة" في المفهوم العربي!!


ربما كانت كلمة «مقاطعة» هي الأكثر انتشاراً في القاموس والفكر العربي الحديث في الآونة الأخيرة، وبدأ البعض يطلق دعوات المقاطعة لكل شيء ولأي سبب حتى فقدت هذه الكلمة تأثيرها، هذا إن كان لها تأثير في الأساس!! 


 لا أتحدث هنا ولا أشير إطلاقاً إلى دعوات مقاطعة المنتجات الدنماركية بسبب الإساءة لرسولنا الكريم، فالفعل هنا له ما يبرره، رغماً عن عدم وضوح رؤية تأثير هذا الفعل على الفكر الدنماركي أو حتى الأوروبي، فالإساءة استمرت، بل وانتشرت وزاد انتشارها كرد فعل على رد الفعل العربي الإسلامي!! أتحدث هنا عن الفكر العربي الذي يتوهّم أن المقاطعة في هذا الزمن، ووفق المعطيات الموجودة قد يكون لها تأثير في تغيير المواقف، حتى بلغت «السذاجة» إلى حد دعوات مقاطعة برنامج تلفزيوني؛ لأن نتيجة المسابقة لم تكن مرضية للبعض!!
 
وحتى يستفيق العرب من غفلتهم، ويتركوا برجهم العاجي الذي يصور لهم أنهم مازالوا قوة يستطيعون التحكم في كل شيء وفق ما تشتهيه أنفسهم، أعود بالذاكرة فقط إلى تاريخنا مع المقاطعة، والتي لم تنجح في كثير من الأحيان للوصول إلى ما نحلم به، ونبدأها في العصر الجاهلي فأجدادنا في قبيلة قريش مع أنهم كانوا الأقوى مارسوا المقاطعة للضغط على الرسول، صلى الله عليه وسلم، وثنيه عن نشر الرسالة، فقرروا مقاطعة بني هاشم وبني عبدالمطلب فلا ينكحوا منهم، ولا يبيعوهم شيئاً ولا يبتاعوا منهم، واستمرت هذه المقاطعة قرابة الأعوام الثلاثة، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟
 
هل نجحت قريش في إيقاف دعوة محمد عليه الصلاة والسلام؟! وهل أدلل على مقاطعة العرب لإسرائيل منذ ما يقارب 50 عاماً، هل ضعفت الدولة العبرية بسببها، أم أنها استمرت وبكل قوة، وحققت من المكاسب السياسية والاقتصادية والتنموية ما جعلها تتفوق على «الإخوة» العرب المقاطعين لها، بفارق زمني لا يقل عن 50 عاماً في كل المجالات؟!
 
فكر المقاطعة يجب أن يكون مبنياً على أسس مدروسة ومنظمة، أولها عدم الحاجة إلى من يفترض أن نقاطعهم، لكن أن نقاطع لنموت من الجوع فهو الأمر غير المنطقي، ونقاطع بسبب ومن غير سبب فهذا هراء، ونقاطع لأن شاعراً لم يفز في مسابقة تلفزيونية لا تحمل أي أبعاد مما انبرى في تفسيره المفسرون العباقرة، فإننا بلاشك نكون أفرغنا كلمة مقاطعة من معناها، وأضعفناها مع أنها لا تملك وفق معطيات الوهن والضعف الراهن أي قوة تذكر!! 
 
هل تذكرون كم أضاع العرب الكثير من البطولات والميداليات الأولمبية؛ لأن البطل العربي يرفض مطارحة الإسرائيلي، عملاً بمبدأ المقاطعة، ويعود إلى بلاده ليعتبر بطلاً قومياً، ويكرم تكريم الفاتحين، بينما التاريخ يسجل البطولات للعدو، فهل الشجاعة تكمن في الانسحاب من أمام العدو لأننا «نقاطعه»، أم الشجاعة هي هزيمة العدو ونزع البطولة والميداليات عنه، ليكتب التاريخ أن البطل العربي هزم الإسرائيلي وحصل على الذهبية؟!
 
منطق غريب، نقاطع كل شيء حتى وصل بنا الحال الى مقاطعة بعضنا بعضاً، وتردت الأمور الى الحد الذي أوصلنا لمقاطعة برنامج تلفزيوني
 
 reyami@emaratalyoum.com
تويتر