هشام رستم: العنصرية سببها الجهل
|
|
بين تونس وفرنسا صاغ المخرج التونسي الدكتور هشام رستم مفرداته المسرحية، وأخذ على عاتقه أن يقدم أعمالاً إبداعية خاصة للعمال والمهاجرين والفقراء من خلال فرقته «مسرح باريس» التي اسسها مع فنانة فرنسية وآخر برتغالي، وهي الفرقة التي تركها بعد مدة عائداً الى وطنه تونس لينخرط بين ابناء بلده مقدماً مسرحاً يحاكي قضاياهم الحياتية والجمالية والفكرية والانسانية.
في السبعينات قدم تجربته للمهمّشين في الحقول والمصانع والشوارع والاحياء الشعبية وها هو الآن يعود «ليلضم» المسرح في خيطه التونسي. في فرنسا قاوم العنصرية مسرحية، وراهن على «أن الثقافة وسيلة للحوار مع الآخر».
ويقول المسرحي رستم: «تابعت في باريس اهم التجارب المسرحية المتنوعة في تقنياتها وفكرها، حيث كانت باريس تجمع فنانين عرباً كثيرين، ولو بقيت في تونس لما اتيح لي الالتقاء بهذا العدد من الفنانين العرب والاجانب، وحين تم تأسيس فرقة «مسرح باريس» لم يكن في بالي معالجة أي مشكلة اجتماعية، بل كان الهدف العمل كفنانين مختلفين مع بعض، وبعد الاعمال الاولى التي قدمتها ومنها «رأس المملوك جابر» للراحل السوري سعدالله ونوس والذي شكل نقطة تحول في حياة الفرقة الى جانب التفات الجمهور حولنا». ويضيف المسرحي رستم «اطلعنا على الثقافات المتعددة الموجودة في فرنسا، وضواحي باريس، أهل فرنسا لا يعرفون ثقافة الذين يقيمون بينهم، يجب على اهل البلد معرفة ثقافة الاخرين؛ لأن هذا الأمر من العناصر الاساسية للتسامح والحوار مع الاخر، ولذلك اتجهنا نحو مسرح مغاير، يتجه للعمال والمصانع التي تضم عمالاً من دول العالم، وفهمنا من هذه التجربة القضايا التي طرحت من خلال لغة واحدة هي لغة المسرح التي يفهمها الجميع، ومن ابرز القضايا التي عالجناها كانت العنصرية».
وأضاف المسرحي التونسي «للعنصرية أكثر وجه، وركزنا على معالجتها عبر الكوميديا، والقصص والاساطير، كان هدفنا تثقيف الجمهور، لإدراكنا أن الجهل أحد أهم اسبابها، وآثرنا في تغيير هذا الجانب ولكن اخذت معنا وقتاً طويلاً، في عام 1982 حين اجتاحت القوات «الاسرائيلية» لبنان، كنت وقتها اشتغل على حكاية ام سعد للراحل الفلسطيني غسان كنفاني، مع زملائي وهذا كان بمثابة موقف مؤيد للقضية الفلسطينية».
وعن الفرقة المسرحية التي تركها الفنان رستم وعاد الى وطنه الام تونس يقول «الفرقة ما زالت موجودة وتشرف عليها الان ممثلة فرنسية، اما زميلنا البرتغالي فعاد الى بلده، وتعمل الفرقة على ترجمة نصوص افريقية لتقديمها للجمهور الفرنسي، وتسعى ايضا الى تدريب الشباب من اجل استمرارها، فالفرقة نجحت بعد انطلاقها قبل نحو 17 عاماً، والعمل فيها يتطور والجمهور يشارك في العروض».
ويرى رستم ان المسرح التونسي ورغم كل الانتقادات التي توجه إليه نجح في شكله وأسس جمهوراً له، «يوجد الان في تونس 150 فرقة مسرحية، وعدد سكان تونس تسعة ملايين نسمة اغلبهم يقيمون في الشمال التونسي، حيث لمست تطوراً لافتاً في المسرح التونسي الا انه فقد الشخصية المسرحية وأبرزها العمل على النصوص الكبيرة، لا يوجد في تونس الان مخرجون يتكئون على النصوص العالمية، والسبب ان المخرج سيطر على المسرح بطريقته، فالنص المسرحي لم يعد له قيمة، والسبب عدم وجود كتاب في تونس، حدثت هناك قطيعة، لا يوجد الآن كاتب مسرحي تونسي بل يوجد مخرج مسرحي كاتب».
وفي ما يتعلق بتمويل المسرح في تونس اوضح رستم «الدولة في تونس تقوم بدعم المسرح لكن بشكل تقليدي، فالمسرحية التي تقدم باللغة العربية الفصحى لا يأتيها جمهور، اما الأعمال «بالمحكي/ العامية» فالإقبال عليها كبير، اللغة العربية لم يعد لديها القدرة على التجاوب مع الجمهور التونسي، هذا الامر نجم عنه أزمة بين النخبة والعامة، النخبة لم تعد تذهب الى المسرح، والعامة يذهبون الى المسرح التجري الضاحك، وصارت لغة السوق هي التي تتحكم باللعبة المسرحية، حتى على المستوى الرسمي، صارت الدولة تشتري العروض دون تمييز فرق بين المسرح الجاد»، وأكد رستم «أن المسرح في تونس يدخل منافسة غير متوازنة مع باقي المسرحيات ووسائل الاعلام، الفنان التونسي تخلى عن التحدي، والواقع الذي نعيشه ليس لصالح النهضة المسرحية».
|