في اليوم الرابع أفلام مبللة بالمطر ودموع الـنساء
|
|
يختتم مساء اليوم مهرجان الخليج السينمائي الأول باحتفال توزيع الجوائز وشهادات التقدير على المشاركين المبدعين والفائزين من دولة الإمارات والخليج.
أفلام اليوم الرابع كانت أبرز عروض أول من أمس من الأفلام القصيرة المشاركة في مسابقة مهرجان الخليج، مبللة بالمطر، وعلى تحالف مع تأنيث المعاناة التي بدأ بتقديمها الفيلم البحريني «عشاء» عبر احتفالية بالحكاية وسردها بدقة لا زيادة فيها ولا نقصان،
وبكلمات أخرى عبر سيناريو كتبه أمين صالح، وأخرجه حسين الرفاعي ليقدما لنا ما كان ومازال نقطة ألم اجتماعي، وبؤرة درامية ليس لها إلا أن تكون كذلك، مادام القتل هو ما يطول أي امرأة تفرّط بشرفها، وبدم بارد يكون كاستجابة لفكرة مجردة يدفع البشر حياتهم ثمناً لها.
فيلم «عشاء» لا جديد فيه إن تعلق الأمر بجريمة الشرف إلا الأسلوب، ورشاقة الفيلم وهو يسرد الحكاية بمنتهى البساطة والسلاسة، فكل ما نشاهده أمامنا مشحون بترقب ينتقل إلى المشاهد، توتر مصاغ بعناية، وكذلك الأمر بالنسبة للكيفية التي تروي فيها هيفاء حسين قصتها عبر المسجل العادة التي تعود إليها كما تقول، ومن ثم مقابلة أخيها لها وبكائه، ومن ثم رفض والدها أن يتبادل كلمة واحدة معها، لنصل في النهاية إلى العشاء الأخير، والسم الذي يكون موضوعاً في طعام الفتاة، وقد اتفقت العائلة على قتلها. الأحداث السابقة قدمها الفيلم دون نواح أو ندب أو عويل، ولا هم يحزنون من مبالغات، وجاء كل ما فيه بمقاسات متقنة، حتى الإضاءة التي لم تتغير درجتها مع سوداوية الأحداث، والتي ربما لها أن تكون على مقربة من بقايا عناصر الحالة التي لا تتجاوز فيها ردة فعل الأب على قتله ابنته الإطباق على أسفل الكرسي الذي يجلس عليه. الفيلم الإماراتي «بنت مريم» قارب عوالم المرأة من زاوية مختلفة، وعبر سردها باحتفالية مشهدية لم يفارقها المطر، بحيث تحولت الخوذة التي تسقط فيها حبات المطر إلى لازمة وقتية ورمزية للقصة التي كما يؤكد الفيلم أنها تتكرر مع كل حبة مطر تسقط، ولنا أن نجدها في فتاة تخطف من طفولتها وتزوج من رجل ستيني، ومع موته الذي يبدأ الفيلم بمشهد تغسيل جثته، تنقل أيضاً للعيش مع عجوز آخر أعمى، أو شيخ له أن يكون جدها وليس زوجها.
فإن «بنت مريم» خطوة أخرى للأمام لصاحب «الغبنة» آخر أفلامه الذي كان أيضاً مميزاً. فيلم إماراتي ثانٍ عرض أول من أمس ضمن مسابقة الأفلام القصيرة، ألا وهو «بنت النوخذة» والذي أخرجه خالد محمود، وكتبه أحمد سالمين، وجاء جميلاً ورشيقاً من دون أن تتعرض الحكاية الأسطورية التي تستعاد أثناء وفاة الجدة التي روتها لحفيدها، لما قد يسيء لشاعريتها على الصعيد السردي، لتكون في نهاية مترابطة، سواء في ما يتعلق بحكاية الجدة عن بنت النوخذة التي كان والدها ظالماً، وعوقبت بالغرق بوضع حجارة في جيوبها وتحولها إلى سمكة، ومن ثم مشهد الطفل وهو يرى جدته مسجّاة وقد وضع حجر فوقها، وصولاً إلى تمدده مثلما رأى جدته واضعاً حجراً فوقه. يمتلك فيلم خالد محمود إمكانية أن يكون أفضل من ما قدم، ولعل الأمر يتعلق بموقع التصوير، أو العناية بتفاصيل صغيرة لي أن أجد في السمكة التي تظهر في النهاية مثالاً عليها، لكنه فيلم قصير يستحق المشاهدة والثناء. المطر كان حاضراً بقوة في فيلم السعودي عبدالله آل عياف بدءاً من عنوانه «مطر» وصولاً إلى استثمار هذا العنصر في أن يتاح للفتى أن يلعب كون المراجيح خلت من الأطفال مع هطول المطر، واستخدامه في مراحل عدة من الفيلم، كونه يقدم خطين سرديين، الأول عن شاب في طريقه لأن يفقد البصر، والثاني عن فتى يستعيد السمع في إحدى أذنيه، ونقطة الالتقاء التي تحدث مرتين، إحداها حين يرى من في طريقه للعمى الفتى الصغير يتأرجح تحت المطر المدرار وهو يقول لصديقه «سيمرض.. سيمرض». فيلم آل عياف يستعين بما حملته أفلام أميركية أقوى ما فيها السيناريو، ومد خيوط لا تجتمع إلا مجازاً، بمعنى أن من سيفقد البصر لا يعرف أن ذاك الفتى في طريقه لأن يستعيد السمع، ولا يلتقيان إلا كفعل مراقبة الأول للثاني دون أن يلاحظا بعضهما. عليّ قبل أن أختم أن أؤكد أن أفلام الشباب التي استعرضتها ليس لي إلا أن أصفها بأنها خطوة للأمام لكل واحد منهم، فكما ركزت على سالمين، فكذلك الأمر بالنسبة لخالد محمود في مقارنة مع «قصة خيالية: امرأة وولد»، وكذلك الأمر بالنسبة لآل عياف مقارنة بـ «إطار» الذي كان مبشراً أيضاً. |