«الحوالات» تخفف الحصار الاقتصادي عن إيـــــــــــران
|
|
عندما أراد صاحب العقارات الإيراني شهروم تحويل بضعة آلاف من الدولارات لصالح أعماله العقارية دبي، أو لشركائه في الولايات المتحدة لم يذهب للبنك، وبدلاً عن ذلك استخدم طريقة تقليدية قديمة تعرف بـ«الحوالة» لتحويل أمواله بسهولة ويسر، وأكد شهروم - مثله مثل الكثير من رجال الأعمال الإيرانيين- «عادة ما أرسل أموالي لحسابي البنكي في دبي، إلا أن الصرافة التي اعتدت تحويل أموالي من خلالها أخبرتني بأنه لا يمكن تحويل أكثر من 100 ألف دولار أميركي في المرة الواحدة، وإلا سيتم التقصي حول مصدر تلك الأموال»، وكان شهروم، الذي يتحدث من مكتبه في العاصمة الإيرانية طهران، قد طلب هو ورجال الأعمال الآخرون الذين تحدثوا لـ«فاينانشيال تايمز» عدم الإفصاح عن أسمائهم الحقيقية وكنياتهم. وأضاف شهروم «كنت أرسل الأموال عادة على دفعات بين 40 و50 ألف دولار، وإذا أردت إرسال أو طلب أموال من الولايات المتحدة فإنني افعل ذلك عبر تركيا، ولا أريد أن اجعلهم يشكون فيّ». نظام الحوالة ونظام الحوالة نظام قديم جداً لنقل الأموال من مكان لآخر، موثوق به، ويعود للقرن الثامن، بيد أنه أصبح في الوقت الراهن النظام المفضل لدى الوافدين من دول جنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط لإرسال الأموال لبلدانهم، ويستخدم هذا النظام أيضا رجال الأعمال منذ أن منعت الولايات المتحدة والأمم المتحدة إيران من الاستفادة من النظام المالي العالمي بسبب رفضها تعليق تخصيب اليورانيوم، وازداد استخدام الحوالات في إيران وفقا لما ذكره رجال الأعمال ومكاتب الصرافة والمحللون.
واعتادت إيران خلال ثلاثة عقود من العقوبات الاقتصادية الأميركية أن تبتكر طرقاً كفيلة بتفاديها، ويأتي استخدام الحوالة كوسيلة فعالة للالتفاف حول العقوبات الغربية، وهذا الازدياد المتصاعد للطرق غير الرسمية لتحويل الأموال بدأ يقرع نواقيس الخطر في واشنطن، التي تحاول تدقيق المعاملات المالية الإيرانية. ويتم استخدام الحوالة في معظم الأحوال لتحويل الأموال بطريقة مشروعة، إلا أن انعدام المتابعة الدقــيقة لمــسار هذه الأموال يستقطب الكثـير من التحويلات المالية سيئة النية. فبعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة الأميركية انتاب المسؤولين الأميركيين القلق من أن القاعدة استخدمت الحوالات كوســيلة لتوفير الأموال لمهامها في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من عدم ثبوت صحة هذه التكهنات في ما بعد إلا أنه ثبت أن من الصعب متابعة الحوالة.
كيف تعمل الحوالة؟ مثلا ذهب السيد «أ»، مستورد الأحذية الصينية، إلى صرافة في طهران لإرسال 10 آلاف دولار لمورده في الصين، فيتصل صاحب الصرافة بوكيله في الصين، والذي سيذهب إلى بنك المورد لإيداع هذا المبلغ، ويصبح الوكيل الإيراني مدينا للوكيل الصيني بمبلغ 10 آلاف دولار، وعندما يرغب مواطن إيراني في الصين في إرسال مبلغ 5000 دولار لأسرته في إيران فإن عملية الحوالة تبدأ الاتجاه عكسيا، وبمرور الزمن يتلاشى الدين بشكل تلقائي بين الوكيل الإيراني والصيني، وبما أن هذا النظام تأسس على الثقة المتبادلة، فإن الوكلاء- مثلما يحدث في البنوك- يعلمون أن عملهم لن يستمر إذا لم يف كل طرف بما عليه من التزامات.
ولا تستغرق عملية التحويل أكثر من 48 ساعة، وتعتبر أسرع من التحويلات البنكية أو حتى صرافة «ويستيرن يونين» وذلك بفضل انعدام البيروقراطية، كما أن رسوم الحوالة أقل من رسوم التحويلات التقليدية، ويتقاضى وكلاء الحوالة الإيرانيون رسوماً تتراوح بين 1 إلى 5.1% من قيمة الحوالة، أو رسوما ثابتة تعادل 50 دولاراً. وفي طريقة أخرى يستخدم الوكيل الإيراني وكيلا له في اسطنبول والذي بدوره يتسلم المبلغ ويودعه في أحد البنوك، ثم يرسل قيمة الحوالة عبر البنوك الدولية. وبهذا الأسلوب تدخل البضائع الاستهلاكية إلى إيران. ويتساءل خبير الحوالات بجامعة مانشستر، روجر بلارد «في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة فرض مزيد من العقوبات المالية المشددة على إيران فكيف يستطيع التاجر أن يعمل دون اللجوء للحوالة؟».
حوالات للوكلاء
سعيد، الذي يستورد الأواني والطناجر من الصين، يؤكد هذا الزعم، حيث يقول «إذا أردنا إرسال أموال عبر النظام البنكي فإن ذلك يكلف مبلغا من المال لا بأس به، ولهذا السبب فإننا نسلم الأموال للوكلاء الذين يرسلونها بدورهم عبر بلد آخر للصين»، ويضيف «هؤلاء الأشخاص هم عبارة عن عوائل وأصدقاء نثق بهم، وهذه هي وسيلتنا السرية فإذا تحدثتم عنها فربما وضع (الأميركيون) في طريقها العراقيل». السيولة الضرورية لعمل الحوالة توفرها التحويلات الكبيرة التي يرسلها العمال في الدول المتقدمة لذويهم وأسرهم في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ويقدر بيلارد بأن «التدفق السنوي لهذه التحويلات يصل إلى 100 مليار دولار، وهذا كل ما جلبته العولمة للاقتصاد الدولي».
إجراءات الإرسال
وفي ميدان الفردوسي في قلب طهران تنتشر محال الصرافة في كل مكان، ويستخدم معظمها نظام الحوالة التقليدي، وفي أحد المحال وقف رضا يشرح كيفية الإجراءات المتبعة «ما عليك سوى أن تعطيني اسم الشخص المستفيد ورقم حسابه، وسوف يستغرق الأمر أقل من 48 ساعة ليتسلم المبلغ»، ويضيف ضاحكا «لندن تعتبر أسهل المناطق في العالم لأن وكلائي هناك لديهم أموال طائلة»، وعند سؤاله عن ضمان وصول الأموال للمستفيد وضع يده على صدره قائلا «مائة بالمائة»، ثم جذب رزمة من أوراق المعاملات السابقة ليبرهن صحة قوله، وكانت الأوراق تشير إلى إرسال 30 ألف دولار لحساب في أحد البنوك الصينية، و20 ألف دولار أخرى لحساب في بنك بنيويورك.
وبجانب محل رضا، تقع صرافة السليماني التي تتقاضى 1% من قيمة التحويل كرسوم لإرسال ما يقل عن 10 آلاف دولار أميركي و5.0% لأي مبلغ يزيد على ذلك، ويقول الرجل خلف الكاونتر «لا توجد مشكلة سواء كان المبلغ بالدولار الأميركي أو الكندي»، وعند سؤاله عن قانونية هذه المعاملات أشار بيده إلى شهادة معلقة على الحائط «لقد حصلنا على إذن من البنك المركزي لممارسة ذلك، وإننا نضمن إرسال نقودك بطريقة آمنة». ويجيب جميع وكلاء الحوالة بأنه «ليس هناك مشكلة» في ما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية الأميركية، ويشيرون لفوائد الحوالة التي تضمن سرعة الإرسال، وغياب الرقابة المالية. ويقول نافيد، صاحب الصرافة الذي يرسل الأموال لشهروم، «إننا نستطيع أن نرسل أي مبلغ تريده». ويغص مجمع نافيد بالعملاء، وينفتح الباب وينغلق في حركة دؤوب، حيث يفد العملاء والنساء لإرسال تحويلات لأبنائهم الذين يدرسون في الجامعات الأميركية، ورجال يرغبون في إرسال أموال لاستيراد بضائع.
الوجهة الأوروبية
وتستطيع صرافة «نافيد» أن تخلص بين 5 إلى 100 معاملة تحويل أموال دولية في اليوم، تتقاضى عنها نسبة 5.1% ويقول نافيد «يمكننا التحويل من إيران إلى أي بنك في أوروبا»، وأبرز وثيقة توضح تحويلا بقيمة 31700 دولار أرسلها قبل فترة قصيرة لبنك «بي ان بي باريباس» في العاصمة الفرنسية باريس، و14 ألف يورو أرسلها إلى «دوتشيه بنك» بألمانيا، ويقول إنه «بسبب العقوبات الاقتصادية الأميركية ارتفع حجم أعمالنا مع أوروبا، وقبل تلك العقوبات كانت جميع تعاملاتنا بالدولار، أما الآن فتتم 70% من معاملاتنا باليورو»، وعلى الرغم من ذلك يقول نافيد إنه على استعداد لإرسال حوالات بالدولار للبنوك الأميركية عبر بلدان أخرى.
ويزعم أنه على الرغم من أن الدولار يتضمن مشكلات إلا «أننا سنواصل معاملاتنا به في المستقبل»، ويقول كل من نافيد وشهروم إن البنوك التي يتعاملون معها لا تلقي أسئلة عن هوية المرسل أو مصدر الأموال. وفي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة زيادة ضغوطها على إيران لإجبار حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد على التخلي عن برنامجها النووي، الذي تصر إيران على أنه للأغراض المدنية فقط، تركز أيضا اهتمامها على هذا النظام غير الرسمي لتحويل الأموال، ويعتقد خبير تمويل الإرهاب وغسل الأموال، فيكتور كومراس أنه فقط «خلال العامين السابقين بدأت الدول بما فيها الولايات المتحدة تولي اهتـماما جـدياً لتنـظيم عمـلية الحـوالات»، ويضيف أن «هذا النظام يعمل بحركته الذاتية، وهناك العديد من السماسرة الذين يعملون لبعض الوقت لأنه من السهل أن ينضم أي شخص للعمل في هذا النظام».
وكلاء نظاميون
ويوجد نحو 40 ألف وكيل حوالات مسجلين لدى السلطات الأميركية، ويتطلب الأمر من هؤلاء الوكلاء أن يحتفظوا بسجلات «اعرف عميلك» كما هو الحال مع البنوك، وتتبع السلطات وتفرض غرامات على الوكلاء غير المسجلين، ويعتبر ذلك ضروريا لمصداقية الولايات المتحدة، كما يقول كومراس، الذي عمل في الأمم المتحدة بوظيفة مراقب لتمويل الإرهاب حتى عام .2004 ويضيف «إنه في الوقت الذي نفرض فيه ضغوطا على المجتمع الدولي للالتزام بعقوبات الأمم المتحدة، ونستخدم ثقلنا في النظام المصرفي العالمي لتنبيه الناس بالمخاطر التي تعتري التعامل مع إيران، فإن علينا أيضا أن نضمن بأن بيتنا مرتب من الداخل».
فعالية العقوبات
ويعتقد النائب المساعد لشؤون تمويل الإرهاب بوزارة الخزانة الأميركية، دانيال غلاسر أن «ازدهار نظام الحوالة يعتبر دليلا قوياً على فعالية العقوبات الاقتصادية، وهذا من شأنه أن يجعل من الصعب على النظام الإيراني تمويل برنامجه النووي».
وبموجب العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران فإن البنوك بدأت تفرض تدابير مشددة على الأعمال الإيرانية، خوفا من أن تكون بعض الشركات الإيرانية قد تم إنشاؤها بقصد الالتفاف على هذه العقوبات، وتخفيض اعتماداتها المالية لإيران.
عن «فاينانشيال تايمز»
|